المشاركات

عرض المشاركات من 2017

ميلادُ النهايةِ

الأملُ الذي كان يلتحفني وأنا أصعدُ إلى قمةِ الجبلِ  فتأ.  التحفني السوادُ وأنا أصارعُ الوصول حتى كاد يخنقني، الغصةُ التي أوقعتها حروفهم الزاجلة بخبر النهاية البائسة كئيبةٌ، أعمتني عن الأهدافِ القريبةِ، قوقعتني في بقعةٍ شجيّة، تلاطمت فيّ أمواجي المحطمة وبتُّ أحاول الصمود، أحاولَ حتى زمجرت شهقاتي في فجاءةِ القول الأول. أصمتُ حتى أكادُ أنفجر، وأبكي حتى البكاءُ يملنّي، وأزمجرُ حتى ينفضُّ من حولي، فأبقى وحيدةً، وحيدةٌ تطبُّ قلبها بعد انهزامٍ مُغمّ. الحكايةُ ليست بالفضاعةِ التي أكتبها، أنا لا أكتب الحكاية، أنا أكتبُ شعوري، أكتبُ ما أوجسهُ من روحي المتدفقة بين ثقلين كبيرين صانعيين قوةَ الحياة. لم أكن أتخيل وأنا أصعدُ إلى القمةِ شديدةِ الانحدارِ أن تلتقفني حجارةً كبيرةً يجبُ عليّ صعودها أو الموت! وأن تتقاذفني الحُصياتِ البائسة عند شرفةِ النهاية حتى تصنعَ من قوّتي رمادًا كئيبًا يُنسيني فرحَ الحياة. القوةُ ضعفٌ عندَ التكبيل، والضعفُ قوةٌ عند التأهيل. يريدوننا أن نبلغ مبْلغَ الفائزين بالجناتِ قبل أن نعمل، أو حتى قبل أن نعلم ماذا نعمل، أتراكم تحتملون مالمّ بسربٍ غفيرٍ من آمالنا ال...

شعورُ اللحظةِ

يتصعدُّ شعورُ اللحظةِ في قلبي، يرسمُ أخدودًا من أملِ النهوضِ المترامي خلف جدرانِ مشاعري، لم أبالغْ حينما وصفتُ قلبي ذاتَ لحظةٍ " تائهٌ في بحرٍ لجيٍّ من المنقشعات". أشعرُ أن هاجسَ الحبِّ يتسربلُ به كياني، يتقاربُ من أصيص وجداني، ويتقازمُ من روح كبريائي. الحياةُ مليئةٌ بالمُبهجات، بالترف الذي نطلبه مع كل شهيقٍ أو زفيرٍ، لكنّها خاوية من شيءٍ لا يساويهِ كلُّ شيءٍ. كلما آنستُ قُربًا تتسمُ به روحي، تلاطمت عليّ أمواج أفكاري البائسة، وافرنقعت عنّي مشاعرَ البهجةِ الأولى. يطلُّ عليّ شغفُ الحياةِ، يتسمّرُ في أنفاسي، يراه المارين حولي، ويأخذون من فيء طلعته المتوسمون بالحبِّ المكنون في أعماقي. أصابني القحط كثيرًا، ذبلت فيّ أزهاري، وماتت عنّي عصافير أحلامي. الحلمُ لا يعدو أن يكون حقيقة، لذلك لم أحزنْ، ولم ترَ حروفي حقيقة حزني قبل هذه الليلة. الأحلامُ جنسٌ لطيفٌ تُولده الأمنيات، لكنّه لا يُسقي شظف قلبي حين يدنو، أو يُسقطُ غيثهُ على أفيافي المُجدِبة. تعلمتُ أن أستمسكَ بعروة الرجاء، بالوِثاق الذي يصلدني حين اشتداده، ويتوسمُ خيري حين ارتخائه. وأن أُرخي حبلَ الأُمنيات المصبَّغة بالأح...

غربة

هل الكونُ ضيّقًا جدًا لدرجة أن يراكَ العالمُ أجمعُ سببًا للسعادة، ولا يراك صديقُك إلا سببًا لتعاسته؟! صديقي القديم، أعلمُ أنّ الصداقةَ لا ترضى القدامةَ صفةً لها، وأنّها خُلقت لتكون أبديةً لعِظم  الأوفياء الصانعين لها بريقها. ألجُ بحرك، أحاولُ أن أجدني فيه فأُبتر. أطمسُ جفاء قلبي ليكون لك لينًا فأفشل! السماءُ الذي جمعتنا حزينةٌ، والأرضُ التي حوتنا تعيسةٌ كئيبةٌ. خُطانا تمضي، والحنايا بداخلنا تهتز! تهتزُ حبًّا طُمِر جوفه، وشوقًا ثُكلت أمّه. تهتزّ حينًا من جفاءٍ مولود، وحينًا آخرًا من يأسٍ مطرود. أن أموتَ في سبيل التشبثِ بتلابيب روحك، آيسني. لم أعدْ بالقوةِ التي دفعتني أستمسِكُ بعروةِ وثاقنا ذاتَ مرةٍ، أو أشدد الحبل إذا ما تراخى بعد انهزامٍ غريب! الغربةُ يا صديقي هي غربةُ روحي في حضورك، غربة التقديس العظيم لأشيائنا المتنافرة بعد جدبٍ وقحطٍ روحيٍّ اختلقناه ذات لحظةٍ. أقفُ بين يديكَ أحاولُ ارتشافَ ودّك فيسحقني اندفاعك، أرتمي بين جنباتِ روحكَ فأجدني وحيدًا، خاليًا من كل شيء، خاليًا إلّا منّي. أصعبُ الأمورَ إليّ العودة، العودةُ القلبيةُ التي ما صنعت فيِّ إلا بؤسًا يهضمني قبل...

فضفضة عابرة

في الليلِ عتمةٌ، والهواءُ الساكنُ يفضُّ ضجيجَ قلبي. كلّما توارت رجاواتُ قلبي بالحجابِ المانعِ تفيضُ قطراتيَ المالحةُ المُكتظةُ خلفَ جفنينِ متوردين. أصارعُ انبعاثَ شتاتي، أحاولُ أن ألملم شعثي المتدثرَ على صلابةِ أرضيةِ روحي. الأمكنةُ المُشعةُ بالخيرِ تتوالدُ، والأزمنةُ المشحونةُ بكلِّ شيءٍ تُقيّدُها. كان لا بد لنطفةِ بوحي أن تنمو، وتكملَ باقي أيامها الدافئةِ في رحمِ حرفي. كانت لحظاتُ اندفاقها في بحري الحاضن أجملَ المواسم، واشتدادُ ركلاتها لتصارعَ حياتها قبل الميلادِ أعمقَ المشاعرِ شعورًا. لم أكن أعلمُ أنّني بعدَ هذا الجمالِ سأُصارعُ مَخَاضَ رؤيتها للنور! كان النورُ يشعُّ في داخلي، ويكوكبُ حولي نجومًا لامعةً. كلُّ هذا الجمالِ يجعلني أتحسسُ آياتِ الحياة؛ خوفًا من معايشةِ حلمٍ زائرٍ لا يمسُّ للحقيقةِ بصلة. يزورني الخوفُ مرةً أُخرى حينما أرى بريقَ نجومي المتحلقةِ حولي بدأ يبهت، ونوره يتبلد، وكيانهُ يضمر. لم أكنْ أتخيل أن أعيشَ وأنا أستنفرُ هذا الشعورَ البائس في قلبي، أحاولُ استفراغَ ذراتهِ المتحجرةِ بين جوانحي؛ فتزدادَ صلادةً وبؤسًا. كانت مكاتبَةُ تلكَ الليلةِ أعظمَ الأوقاتِ رضًا...

نومٌ وحياةٌ

كان لابد أن أنام، وأطوي صفحةَ يومٍ متخمٍ باللحظات التي لا تذبلُ ملامحها في مخيلتي. الحياةُ جميلةٌ حدّ الترف الذي نتقلب فيه، والجمالُ ينزله الله كالغيث الكثيف الماطر على قلوبنا حبًا وودًا. أقبلت التاسعةُ مساءً وأنا على صراعٍ أقاومُ فيه موتتي الصغرى، أعاتبُ نفسي جادة: " لن أنامَ الآن،سأنتظرُ أبي". اليومُ الذي أصلُ فيه إلى البيتِ دون استقبالِ أبي فقيرٌ جدٍا، أهنفُ كلّما تقدمتُ خطواتٍ إلى مكتبه، أردد" لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا"، لعلّ الله يختصني برحمته"وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" كان لا شيء مما سددته مخيلاتي تحقق، لم تكنْ هناكَ قوةً تطبّ قلبي حتى وصول أبي، واحتضانه العميق، وحكايتي الطويلة مع أسبوعين من الجهاد. بقيتُ أقاومُ حتى استنجدتني عظامي كلّها بنومٍ قليلٍ، وهنت خطواتي وأنا أقتربُ من سريري واسّاقطت أتعابي تختبئ أسفل السرير ممهدةً لي نومًا عميقًا يُنسي روحي تعب كلِّ خميس. أستيقظ وقد فات الأوان، لم أملك سلطةً تقيني وعثاءِ هذا الحال، كان النومُ مريحًا أزاح عنّي ما ألمّ بي من تعبٍ وإرهاق، لكنّه ...

الأولى من نوعها💜

صورة
تلوحُ ليَ الفكرةُ، فيورقُ الفرحُ في قلبي، وتنمو فيه زهرةَ الحياةِ المُبهجةِ. هذه المرةُ ليستِ الأولى التي أقررُ فيها زيارةَ الجامعةِ العامرةِ، مرّت سنتين مليئتين بالحياة وأنا أقطنُ في أفيائها، وأمشي على شواطئها، ويغمرني بحرها المُحلّى بتجاربها. هذا الشعورُ الذي يسكنني في لحظتي المترفة بالبهاء يشابه شعور الزيارةِ الأولى التي تطأُ فيها قدماي أرض الجامعة؛ لأستنشقَ رائحةَ الحُلمِ المُنتظرِ، و أرى الحياةَ فيها من عدسةِ الواقعِ البهيج، ولقاء الرفيقة الحنون الذي أهرمنا شوقًا وحبًا. أيعقلُ أنني أتنفسُ الشوقَ لشقيقتي حتى تُبهجني هذه الفكرةَ العابرة؟ نعيشُ الليلةَ الرابعةَ منذ صعودها إلى قمّةِ بهجتها، نتفننُ في سبلِ الإتصالِ حتى لا تكادُ تمرّ ساعتين نغيبُ فيها عن حروفنا المُرسلة، وأصواتنا التي ملّت هواتفنا احتوائها. عشتُ أيامًا سرقَ القلقُ والمرضُ دفءَ ليلي، لكنني لمْ أجربْ أن أبقى أسيرةَ بهجتي حتى أسمعُ نداءَ الفجرِ يتصعّدُ في مسمعي. كلّما أزهرَ وجهي فرحًا بهذه الزيارةِ تعجّبَ الناظرُ اليّ وروادتهُ نفسهُ أن يسألني مستنكرًا " زيارتك الأولى؟" فأجيبُ وأنا أمتصُ شهيقَ نفسي:  نعم، إ...

فرحٌ وبهجةٌ

يتدفقُ سيلُ الكلماتِ على ورقي، أحاولُ لملمةَ حبري في محبرته فيأبى، ويضخَّ نهرًا حائدًا عن نضبه. الحياةُ الساكنةُ فيّ بدأت تنبض، وكانت نبضاتها مُزهرة لا تلبثُ أن تنثرَ الحبَّ في دقائقِ وثوانيَ لحظاتي. نعم، سعيدةٌ إلى الحدِّ الذي يتدفّقُ فيه دَمي فرحًا وبهجةً، هذه المرةُ تبدو حقًا مختلفة عن كل الحكايات التي بكت محبرتي حين حبرتها. أرى وهجِ النّصرِ قريب، وماء العافية تُسقيني اللذيذ، واطمئنانًا لا يعرفه إلّا القليل. ألا يستحق كل هذا أن يُبهج روحي ويُحيها؟!. اللهم إن كان هذا تحقيق الرجاء فأتممه، وارزقني قلبَ صاحبٍ حنونٍ وفيٍّ يعطي الواجبَ مغلفًا بالحبِّ، ويقبل الحقِّ النّاقصِ بقلبٍ واسعٍ. اللهم لك الحمد حمدًا لا ينضب.

مبارك العنود

نتنفسُ قلقَ الإنتظار، ونرسمُ في قلوبنا بدايةَ الحكايةِ الساكنةِ في قلبينا. أقفلُ عائدةً من توديعِ آخرِ صفحاتِ هذا الصيفِ الذي لُمتنني فيه. أصارعُ اللحظات فتصرعني بثقلها، وتركلني بحركةِ عقاربِ ثوانيها. أدخلُ وأنا بسّامةٌ ضاحكةٌ ولا أعلمُ سبب هذا الحبور. تسألني الرفيقة: " أهذا ما فعله بكِ آخر امتحان؟" أجيبها وآيةُ الدّهشةُ يستهلُ الناظرُ بها إلى وجهي! ليفهم أنني لم أُدركْ مكاني وزماني اللذان استوطناني قلبًا ولم يتترجمان فقهً يألفه عقلي. باتت الدّهشةُ رفيقة اللحظات. أستلهمُ منها قوة البهجة التي غمرتني حينها. لم أكنْ أفقه الانتظار كما فقهتهُ حينئذٍ. كان كلُّ شيءٍ فيِّ يتنفسه. شهيقٌ يُدخلُه ملونًا بالبهجةِ وزفيرٌ يقذفه ذابلَ الحياةِ من طوله الثقيل. أصنعُ الأحداث؛ حتى ملت فلفظتني من فيِّ تدبيرها، وازَّيَّنت في داخلي حديقةً ذات بهجةً حتى توّلّاها بعثٌ كبيرٌ. تصلُ الساعةُ التي ارتأينا عطلها من ثقلِ حركتها إلى 2:30م. تأبى محاولاتي الفاشلة إلا أن تستمر.  تسمّرتُ أمام شاشة هاتفي أراقبُ الماريّن وما يحملون من أعلامٍ مبهجةٍ ومُحزنة. أستلطفهم ليهدوني قَبول شقيقتي فينؤوا بعيدًا دون ع...

وشوشةٌ وهِجاءُ-3 (الأخيرة).

صديقي الودود، أستيقظُ على منامٍ يشبُه تفاصيلَكَ. الأحداثُ المُترفةُ التي كانت تزورني في الأحلامِ لا تَمتّ لقلبينا الفارغين بصلة. وكأنّها جاءت سلوى لقلبي بعدَ ما أماتَ شُعورُ الأسابيعُ الثلاثةُ الماضيةُ بهجَتَه. أفرّغُ قلبي من نباضاتِكَ المُميتةِ، وأحاولُ بقدرِ ما أمدّني الله من قوةٍ أن أهديها من تحب؛ لعلّها تُحي مروجًا خضراءً في قلبه عجزت أن تُحيها في قلبي. الشعورُ البليدُ الذي سكنني وأنا أسمعُ انكسارَ زُجاج قلبي لا يمكنُ أن يموتَ في لحظِة ترفٍ أنعم فيها برسالةٍ لا تُحي معنى الودِّ في روحي. تُعوضني الأحلامُ الجميلةُ جلَّ ما فقدته من روحِ قلبكَ، لذلك لا بأس إنّ نأيتَ نوىً يُخيّل لكَ أنَّه حاويًا للخيرِ كلِّه. لفظَتْ أنفاسُك يا صديقي كلَّ جميلٍ عشناه في كأسٍ واحدٍ ناضحٍ بوفاءِ صحبتنا، وأصبحَ كلُّ عابرٍ يُقرّبُكَ زُلفى إلى غابِة أحلامِك المُثمرةِ بالخير صديقًا حميمًا أزاحني من نبِضِ قلبك. أصبحتْ التلاواتُ المليئةُ بالأخطاءِ لا تَعني سعادتك، باتَ نظرُكَ الثاقبُ يطمحُ لصديقٍ لا بون بينك وبينهُ في التلاوةِ ساطعًا. أصبحت الثواني التي توقظني فيها؛ لنصفَّ أقدامنا سويًا إسرافٌ في حق وق...

تأملُ /1

لحظاتٌ كثيرةٌ تعشعشُ في حقولِ قلوبنا، تأسرنا وتجعلنا نهلعُ فقدانها. أصبحَ الشعورُ الذي يزورني قنديلًا أستضيء به في عتمةِ الغربةِ الصائرةِ في قلبي. أصبح يمتزجُ مع هواجسي، ويقيني شرّ ما أجدُ منها وأُحاذر. أخذ روحي إلى عالمِ الأُنسِ المفقود، والنَفَسِ المحمود. جلسنا تحت ظلاله، نستقي منه لبنًا سائغًا، وعسلًا مصفىً لائغاً. هزّتني مخارج حروفها وهي تنطق" وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ". أصاخت أذناي، وأصبحَ دويّ نطقها يصلُ إليها في أعلى تردده. شدّها همس الهاء الجليّ، وشدةَ وجهرَ الباء المقلقل الصانع في نفسي هيبةَ خروجه. بدأنا نردد ونستعذبَ الألفاظ، وبدأت قلوبُنا تمتصُ إشعاعَ خيرها. كانتْ الألفاظُ المُجوّدة توقظُ نبضاتنا المُماتة، وتُحي فتيلة قنديلنا المُظلم. استوقفتني لحظةَ اندهاشٍ، وكان كلَّ شيءٍ حولي يُوحي بالدَّهشة.  سبحان من أضحكَ، سبحان من أبّكى. سُبحان المُضحك الذي أضحكنا، سبحان المُبكي الذي أبكانا. سبحان من ملك قوةُ الضحك، وملك قوة البكاء. كان كلُّ شيء مُلتفًّا حولنا يسبّح.. وكان عالمُنا قطعةً من الجنّة. سبحان الذي أضحكنا في وقتٍ أردنا فيه البكاء فحجبهُ عنّا و...

وشوشةٌ وهِجَاءُ - 2

عُدتَ يا صديقي، ولم أعدْ في قلبِكَ إلى ديارِك. كان وداعُك أثقلَ الأشياءِ حِمْلًا على قلبي، يتسمّرُ بين أضلعي، ويزيدني حَزنًا زيادةً على حُزني، فأذهبهُ الله عنّي، وعوضني بدَلًا منه عافيةً أقاومُ بها جهادَ ما بقى. كان لُطفُ اللهِ يغمرني، ورحمتُهُ تنتشلني من ضيقِ الوداعِ إلى سعةِ التجافي. دبَّت رجفةٌ في قلبي وأنا أطأ مكانك في تلك الحديقةِ المُظلمةِ في غيابك، كان كلُ شيءٍ ساكنًا. توقفتْ الأشجارُ عن إطلاقِ حفيفها، وهدأتْ الأنفسُ القليلةُ القاطنةُ في غياهيبها. الكونُ الذي لم يسعنِ معك في تلك البقعةِ أصبحَ خاويًا. النجومُ التي اعتادت أن تُشِّعَ أضواءَها أفلتْ، ولم يبقَ إلا بدرٌ لم يكتملْ. كانت لحظاتُ اليومَ تختلفُ نسماتُها، أصبتُ بعدوى الحياة، انتعشت أوردتي بها، وأصبحتُ أجوبَ بحارَها بعينٍ مُحبةٍ. ذاب الجليدُ الذي أحالَ عنّي فرحَ اللقاءِ قبل عامٍ من الساعاتِ المُنتظرة، أصبحتُ لا أنتظر، وأصبح لديّ وقتٌ غفيرٌ أُمعنُ النظرَ في أعماقي. أصبتُ بالأنا المحمودة، التي انتشلتني من حرمانِ جودِك. مزّقتُ ذكرياتيِ التي سلبتني عافيةَ يومي، ورميتها في البحرِ الذي أعادكَ إلى ديارك. كان لقاءُ الأرواح...

الثانيةُ والنّصفُ صباحًا

أشعرُ أنّ هذا العالم ما زال يلفظُ أنفاسَك، وهواءَه يلتحفُ قسماتَ روحك. لم يكن خطأي حينما وضعتُك في مضغتي اليُسرى، كان كلُّ شيءٍ يتنفس سعادة وجودك، وكانت الساعاتُ المبهجة تتقافز  لتتسيّد أيامنا، والدقائقُ الحزينةُ تنسحبُ خجلًا من نافذةِ حياتنا. كنت يا حبيبي رغد الحياة، لم نجدْ لبقعتك الفارغة من يملؤها، أو يسدّ عن خوى قلبها. ما زالت أيامك تلفظُ ذكراها في مخيلتي، ما زال وقوفك رغم حالك يأسر عافيتي، ما زالت الثانية والنّصف توقظني من سباتٍ عميقٍ لأسمع دويّ أقدامِك تستعدُ للقاءِ النعيم الموسوم في قلبك! تثاقلُ أقدامي وأنا أتخيلك واقفًا تُقيم ركوعك ترعبني، الساعةُ التي تفتحُ فيها الباب يومَ الجمعةِ معلناً وصولك باتت يائسة، والقنوطُ يعشعش بين دقائقها. اليوم نتخيلُ لحظةَ دخولك فنتسابق لتمد لنا يدك نُقبِّلها ونرجع خائبين، قلوبنا تأكلها خيبةٌ مؤلمةٌ. لازلتُ أعاودُ المكان الذي تُحبه، ما زلتُ أقيمُ صلاتي فيه حتى إذا انتهيت وبدأتُ تِلاوتي تخيلتُكَ خلفي منسدحًا تسمعني، وكلّما توقفتُ انساب صدى صوتُكَ مُعاتبًا: " ليش توقفتي؟ كمّلي". اللحظاتُ التي كُنت تترقبُ فيها نسبةَ الحبيبةَ مروة ع...

قوة

صمتٌ يضجُ به صدري، وبحَّةٌ لوّنت صوتي.  بقيتُ وحيدًا أناضلُ وكأن الله يُعلمني الرضا بكيفيته، وزمانه ومكانه البائسين في قلبي.  بُتُّ أراني وأنا أقاوم الصخور المتناثرة من قمة الجبل قويّةً، قويّةٌ لا يُبكيني خبرٌ عابرٌ، ولا يأسرني بأسٌ ماطرٌ. بدأتُ أحاربُ الإنزلاق تارةً وراء أختها، وباتت قدماي تقدمني لحظة، وتُؤخرني لحظات حتى رأيتُ نفسي في بقعة لم أكن أظن أنها ستكون. لكنَّها كانت!  كان اللهُ معي في جهادي، كان يعلم كل خالجةٍ سكنت في نفسي، كان يعلم الحرب الهائج خلف سكوني، وخلف كل واردة مني.  هو يعلم مقدار تعلقي بقمةِ ذلك الجبل، ويعلمُ  كيف ومتى وأين المتعلقات بوصولي إليها. لذلك لم يشأ أن يكون ما أريد، أرادني أن أكون قويةً جدًا. أرادني أن أذوق لحظة الخسران ساعة ليكون نعيم الربح ساعاتٍ وأيامٍ وشهور ٍوسنوات.  يُعلمني أن لحظة بكائي قوة، ولحظة وهني حياة أيما حياة.  لا بأس أن أبكي يا رفيق، إن كان هذا البكاء يُصعِّدُني معك لقمة ذلك الجبل.  لا بأس، فقط خذني معك برفق.  ٢٧/شعبان/١٤٣٨ه.

تأخرتُ؛ ليتقدموا!

جاءت باهتة الملامح، والسواد يطغي لأسفل جفنيها بذكاء ممتزج.  تتخبط خطواتها وهي تتلحفُ رداءها الطويل. تجري؛ لتلحق بهم فيسرعون دون اكتراث.  تقف لعل قطار الحياة يُرجعهم إليها فتَتَمسك بتلابيبهم، وتروغ إلى أحضانهم تستقي الشفاء.  كانوا صحبًا لا ينفكون عن حبل وصالهم، أرواحهم مقيدة بسلاسل التقوى المتينة.  وجوههم الباسمة تشع نورًا يحضنهم وهم يتدارسون كتاب الله تحت شجرة العتق من نيران الهوى. كان السباق يشتد، وكانت منهمكةً في صيد طعامها المتهاوي لجسدها البالي، وكان دربها ضيّقًا كحفرةٍ باتت على مشارف جنازةٍ تسكنها. لم تكنْ عاقلةً قط.  المياهُ الساقطةُ عليّها كانت بأسًا يتلاحم مع أورتها، والحجارةُ الصلبةُ تتهاوى في سقوطها؛ لتعرقلَ سيرها.  كانت تظنُ أن طريقها صوابًا لا يقارب الباطل في شيء لكن ظنّها خانها وجاءها بحجةٍ دامغة تسيلُ لعابها خوفًا وجزعاً. هي لم تكن تعلم معنى أن تكون فردًا يثعب الخير كأنهارًا انبجست جراء ضربة عصا موسى.  كانتُ على مشارف الهداية، وكانوا لها بلسمًا تتشرب منهم الخير، ودواءً يطبُّ مرضها كلما زاد لهيبه. ذاتَ حقبةٍ م...
عُدتُ خاويةً، خاويةٌ من كل شيء!  أحاولُ وأنا أتخبطُ في دربي الطويل أن أستمسك بومضة الوصول، وأن أجعلها سلوى لقبي إن كانت تؤول.  مررتُ بمقبرةِ الآمال، فعصرتْ فؤادي ألمًا من احتضار سكانها.  داءٌ خبيثٌ اعتدى على بنيتها الناحلة، وبدأ ينهش فيها حتى أسقطها مُغماً عليها.   أنا لم أعد أحتمل! ما زال قلبي جاثيًا يُريدُ شفاءَها، يريد هواها، ويريدُ أن يحتضنها بحقيقة الوقوع. رجاواتٌ تلاعبُ أوردتي بعودتها، ودعواتٌ هنَّ سلواي في حزني العميق.  أحاولُ أن أسدل الستار عليّ، وأن أختبئ في جحرٍ بعيد، ألملم شعثها المتمزق في قلبي، وأن أبقى وحيدًا في عالمٍ لا يشبهني أبدًا. أو أنني لا أشبهه!  لا أعلم، المهم أننا مختلفين ولا تشابه بيننا.  العالمُ سيء، والأصدقاء منتهون.  نعم سيء إلى الحد الذي نسهو فيه عن ذواتنا. فننسى أن لها آمالاً. نذيقها الموت قبل أن تموت. 26/جمادى الأولى/1438ه.
فاضت دموعٌ والكواكبُ سائحة تُفضي بحبٍ في الحياةِ السانحة تَحكي رويدًا فائضًا من قلبهِ والنورُ نورٌ في الحياةِ الفالحة قل لي بربك إن نأيتَ بغفلةٍ الدربُ صعبٌ والتجارةُ رابحة تأتي بذنبٍ ماحقٍ  من سوئهِ كلَ العطايا والأماني الطامِحة  إنّي أتيتُكَ والدموعُ سواكبٌ تشكو إليك قُلوبَ قومٍ مالحة ترجو صلاحًا يمطرُ القلبَ هدى يُزجي سحابًا من أمورٍ صالحة ترسو بصبرٍ بائنٍ في صدقهِ والكِذبُ داءٌ للبلايا الفاضحة فارسمْ بِلطفك واديًا مُتجلجلًا يجري بِحبٍ في القلوبِ النّاصحة
حينما أمسكُ قلمي؛ لأكتب أشعرُ أني وُلِدْتَ من جديد!  وكأنني كنتُ أصارع رحم أمي؛ ليأذن لي بالخروج.. كلماتٌ غفيرة تستوطنُ أوردتي ، تُشَّربني ماء البوح !  أمضي وكأنني على علمٍ بعتبة الوصول ، تلك التي ما عرفتها منذ الوهلة الأولى التي كتب الله لي فيها حياة الجامعة ! أتخبط كثيرًا ، أشعر أنني ما زلت أشهق هواء البعثرة ، وأزفر كل همة حية كادت أن تصل لكمال البنيان ! ضيَّعتُ قبضةَ يدي وأنا أُحاولُ أن أُحكمها ، أشياءٌ جذلة لَمْ تكن في الحسبان.  كنتُ أظن أنَّ الجامعة هي الخير الجزيل!  وأن لا حياة ستهديني الجمال سواها ! لازلتُ أذكر  أبي وهو يطبُّ فؤادي تلك الليلة حينما انهالت قواي بالكسور وأنا أقول له " سأبذل وأبذل ، أريد العلوم في الجامعة لا غيرها ". بكيتُ كثيرًا  وكان الله يعلم سر بكائي . فيرسل لي هدايا عظيمة تلون مدامعي بالفرح والسرور ! كنتُ ومازلتُ أُحِبُّها، وما زلت أقول أن الحياة فيها مختلفة عن كل شيء.  ولكن ما في نفسي طباق ما كنتُ أزرعهُ ، طباق ما كنتُ أبنيه!  الخلل في نفسي " وَمَآأُبَرِّئُ نَفْسِى" أم أنَّ السبب في غرابة الحيا...