غربة

هل الكونُ ضيّقًا جدًا لدرجة أن يراكَ العالمُ أجمعُ سببًا للسعادة، ولا يراك صديقُك إلا سببًا لتعاسته؟!

صديقي القديم،
أعلمُ أنّ الصداقةَ لا ترضى القدامةَ صفةً لها، وأنّها خُلقت لتكون أبديةً لعِظم  الأوفياء الصانعين لها بريقها.
ألجُ بحرك، أحاولُ أن أجدني فيه فأُبتر. أطمسُ جفاء قلبي ليكون لك لينًا فأفشل!
السماءُ الذي جمعتنا حزينةٌ، والأرضُ التي حوتنا تعيسةٌ كئيبةٌ.
خُطانا تمضي، والحنايا بداخلنا تهتز!
تهتزُ حبًّا طُمِر جوفه، وشوقًا ثُكلت أمّه.
تهتزّ حينًا من جفاءٍ مولود، وحينًا آخرًا من يأسٍ مطرود.
أن أموتَ في سبيل التشبثِ بتلابيب روحك، آيسني.
لم أعدْ بالقوةِ التي دفعتني أستمسِكُ بعروةِ وثاقنا ذاتَ مرةٍ، أو أشدد الحبل إذا ما تراخى بعد انهزامٍ غريب!
الغربةُ يا صديقي هي غربةُ روحي في حضورك، غربة التقديس العظيم لأشيائنا المتنافرة بعد جدبٍ وقحطٍ روحيٍّ اختلقناه ذات لحظةٍ.
أقفُ بين يديكَ أحاولُ ارتشافَ ودّك فيسحقني اندفاعك، أرتمي بين جنباتِ روحكَ فأجدني وحيدًا، خاليًا من كل شيء، خاليًا إلّا منّي.
أصعبُ الأمورَ إليّ العودة، العودةُ القلبيةُ التي ما صنعت فيِّ إلا بؤسًا يهضمني قبل أن ألتقمه.
ولّت أيامُ الرخاخِ، وانقشعت عنيّ روحيةَ حمايتك، فتكأكأت زخّات انفزارك الماطرة.
الكون رغم اتساعه يا صديقي ضاق علينا، ضاق حتى بُتَّ ترى بؤس هذا العالم في عينيّ، وشتاتك في وصالي.
هل كان كلُّ زفيرٍ منك يحكي قصتنا لقلبك كما أحكيها؟
إن الحكايةَ ليست بالإطار المُعلن الذي نُغبط عليه، بل هي ما نراهُ في حقِّ أنفسنا عذابًا وبؤسًا.
لا يحق لأرواحنا أن تتماسك وهي لا تغترف شيئا قلبيًا يعيننا على مكابدةِ مسلكِ هذا السبيل.
الطريقُ الأصعبُ لاقتفاء أثر اندثار الودّ هو أن نعودَ غرباء. غرباءُ كما كان أول اللقاء.
لا يحق لقلبينا أن يعانيا العيش المُقفَر من الشعورِ بالودّ. لذلك، لا بأس أن نُخلي سبيلنا للغربة؛ علّنا نتنفس اخضرار الحياة بعد اصفرارها.
كن لي غريبًا يا صديقي، فالغربةُ لقلبينا أجمل.
……..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البدار البدار معلمتي~

غمامةُ حبٍّ ٢

غمامةُ حبٍّ ١