وشوشةٌ وهِجاءُ-3 (الأخيرة).
صديقي الودود،
أستيقظُ على منامٍ يشبُه تفاصيلَكَ.
الأحداثُ المُترفةُ التي كانت تزورني في الأحلامِ لا تَمتّ لقلبينا الفارغين بصلة. وكأنّها جاءت سلوى لقلبي بعدَ ما أماتَ شُعورُ الأسابيعُ الثلاثةُ الماضيةُ بهجَتَه.
أفرّغُ قلبي من نباضاتِكَ المُميتةِ، وأحاولُ بقدرِ ما أمدّني الله من قوةٍ أن أهديها من تحب؛ لعلّها تُحي مروجًا خضراءً في قلبه عجزت أن تُحيها في قلبي.
الشعورُ البليدُ الذي سكنني وأنا أسمعُ انكسارَ زُجاج قلبي لا يمكنُ أن يموتَ في لحظِة ترفٍ أنعم فيها برسالةٍ لا تُحي معنى الودِّ في روحي.
تُعوضني الأحلامُ الجميلةُ جلَّ ما فقدته من روحِ قلبكَ، لذلك لا بأس إنّ نأيتَ نوىً يُخيّل لكَ أنَّه حاويًا للخيرِ كلِّه.
لفظَتْ أنفاسُك يا صديقي كلَّ جميلٍ عشناه في كأسٍ واحدٍ ناضحٍ بوفاءِ صحبتنا، وأصبحَ كلُّ عابرٍ يُقرّبُكَ زُلفى إلى غابِة أحلامِك المُثمرةِ بالخير صديقًا حميمًا أزاحني من نبِضِ قلبك.
أصبحتْ التلاواتُ المليئةُ بالأخطاءِ لا تَعني سعادتك، باتَ نظرُكَ الثاقبُ يطمحُ لصديقٍ لا بون بينك وبينهُ في التلاوةِ ساطعًا. أصبحت الثواني التي توقظني فيها؛ لنصفَّ أقدامنا سويًا إسرافٌ في حق وقتِك، لا يمكن أن تكون بعدما كانت لبّ كل شيء. ذبلتْ المحفوظاتُ التي تعهدنا سقايتها بروحينا حينما وجدتْ السّقايةَ ناقصةً، وبهتت الهمزةُ السويةُ على أوراقِ بُنيّاتِ أقلامي. واحتضرتْ زمّرةُ الأدبِ العربيِّ فيّ بعدما كنّا فخورين بأمجادِ الفصاحةِ الآتيةِ منها.
ما زلتُ أعودُ لكتابنا المُحبب* ، وأنسخ حروفُ رسائل الشوقِ النازح به قلبي ليصلكُ بجهازٍ ورقيٍ، فأرى بريقَ عينيكَ دفئًا يُنسيني بردَ الشوقِ المسمّمِ روحي.
الحياةُ بحرٌ لجيٌّ من المُنغّصات، لا يمكن أن نتنفسَ الجنّةَ السويّةَ في بطنِها. لابدُ أن نتمخضَّ هذه الأحداث الصانعة لنا حقنا من مشاعر الحَزن.
لا أقولُ حُزنًا فأعتدي على نسائم الفرح التي أدخلها اللهُ إلى قلبي رغم كلّ شيء.
لا يمكنُ أن أقولُ أنّك عالمٌ من ترف الجنةِ أتنفسُ جماله فأبخسُ حقّ الشعورِ المتجلجلُ في قلبي.
قدّ كنتَ أجملَ ما سطّرَ مدادُ قلمي، لكنّك لم تعدْ أنتَ كما أنتَ، أصبحنا منصوبين لكان بعدما اعتززنا برفعةِ خبرنا المُتقدِّم على كلِّ ما يُبتدئ بِه.
كنُتِ حلمًا جميلًا يا صديقي، لكننّي استيقضتُ ولم يعدو الحُلمَ أن يكونَ حقيقةً.
سلامُ اللهِ عليكَ في خِتامِ الحكاية.
_________
*كتاب جواهر الأدب للسيد أحمد الهاشمي.
تعليقات
إرسال تعليق