وشوشةٌ وهِجَاءُ - 2
عُدتَ يا صديقي، ولم أعدْ في قلبِكَ إلى ديارِك.
كان وداعُك أثقلَ الأشياءِ حِمْلًا على قلبي، يتسمّرُ بين أضلعي، ويزيدني حَزنًا زيادةً على حُزني، فأذهبهُ الله عنّي، وعوضني بدَلًا منه عافيةً أقاومُ بها جهادَ ما بقى.
كان لُطفُ اللهِ يغمرني، ورحمتُهُ تنتشلني من ضيقِ الوداعِ إلى سعةِ التجافي.
دبَّت رجفةٌ في قلبي وأنا أطأ مكانك في تلك الحديقةِ المُظلمةِ في غيابك، كان كلُ شيءٍ ساكنًا. توقفتْ الأشجارُ عن إطلاقِ حفيفها، وهدأتْ الأنفسُ القليلةُ القاطنةُ في غياهيبها.
الكونُ الذي لم يسعنِ معك في تلك البقعةِ أصبحَ خاويًا. النجومُ التي اعتادت أن تُشِّعَ أضواءَها أفلتْ، ولم يبقَ إلا بدرٌ لم يكتملْ.
كانت لحظاتُ اليومَ تختلفُ نسماتُها، أصبتُ بعدوى الحياة، انتعشت أوردتي بها، وأصبحتُ أجوبَ بحارَها بعينٍ مُحبةٍ. ذاب الجليدُ الذي أحالَ عنّي فرحَ اللقاءِ قبل عامٍ من الساعاتِ المُنتظرة، أصبحتُ لا أنتظر، وأصبح لديّ وقتٌ غفيرٌ أُمعنُ النظرَ في أعماقي.
أصبتُ بالأنا المحمودة، التي انتشلتني من حرمانِ جودِك. مزّقتُ ذكرياتيِ التي سلبتني عافيةَ يومي، ورميتها في البحرِ الذي أعادكَ إلى ديارك.
كان لقاءُ الأرواحِ الذي وعدتني بهِ عظيمًا، قد كان كلَ شيءٍ، وإن لم يكنْ شيءٌ منه يصلُ إلى شُعوري.
النسيانُ الذي قضمَ ذاكرتي زارك في أحب الأعمال التي كانت عُهودنا فيها، فنسيتني وكنتَ تقولُ لا أُنسَى.
أصبحتُ أرى العالم بحِلمِ عفوي. سامحتُ اللحظاتِ التي لم تَحنْ لتأخذني معكَ إلى نُزهةِ الجنان، والأصواتِ التي لم تجد ترددًا مناسبًا؛ لتصلَ إلى أُذني.
أصبحتُ أردد عفا اللهُ عن كلِ شيءٍ كان يجب أن يكون ولم يكنْ، عن الواجبِ الذي لم يؤدَ، والحقِ الذي لمْ يصلْ.
عفا الله عنّا وعنّكم.
تعليقات
إرسال تعليق