تأخرتُ؛ ليتقدموا!



جاءت باهتة الملامح، والسواد يطغي لأسفل جفنيها بذكاء ممتزج.
 تتخبط خطواتها وهي تتلحفُ رداءها الطويل.
تجري؛ لتلحق بهم فيسرعون دون اكتراث.
 تقف لعل قطار الحياة يُرجعهم إليها فتَتَمسك بتلابيبهم، وتروغ إلى أحضانهم تستقي الشفاء. 
كانوا صحبًا لا ينفكون عن حبل وصالهم، أرواحهم مقيدة بسلاسل التقوى المتينة.
 وجوههم الباسمة تشع نورًا يحضنهم وهم يتدارسون كتاب الله تحت شجرة العتق من نيران الهوى.
كان السباق يشتد، وكانت منهمكةً في صيد طعامها المتهاوي لجسدها البالي، وكان دربها ضيّقًا كحفرةٍ باتت على مشارف جنازةٍ تسكنها.
لم تكنْ عاقلةً قط. 
المياهُ الساقطةُ عليّها كانت بأسًا يتلاحم مع أورتها، والحجارةُ الصلبةُ تتهاوى في سقوطها؛ لتعرقلَ سيرها.
 كانت تظنُ أن طريقها صوابًا لا يقارب الباطل في شيء لكن ظنّها خانها وجاءها بحجةٍ دامغة تسيلُ لعابها خوفًا وجزعاً.
هي لم تكن تعلم معنى أن تكون فردًا يثعب الخير كأنهارًا انبجست جراء ضربة عصا موسى. 
كانتُ على مشارف الهداية، وكانوا لها بلسمًا تتشرب منهم الخير، ودواءً يطبُّ مرضها كلما زاد لهيبه.
ذاتَ حقبةٍ من اللحظات خمدَ الخير فيها، وازدانت حلّة الدنيا في عقل قلبها، فانسابوا هادئين من غيرِ روحٍ تحول نارَها جنةً أو حتى ليلها نهارًا.
وجدوها مهشمة بالوهن، لم تعد تقوى على السير مع ركبهم، وأنها لا محالة متأخرة، وأن صحبتها تؤخرهم.  فتركوها وهي تتجلّدُ وتتقلّد الصبر عقدًا جميلا. 
كانوا جميلين في البداية لطيفةً أطباعهم، دافئةً مشاعرهم. يعيشون حياةً هانئةً. 
بقِيَتْ حيرى، والمشاعرُ الحزينة تلتطمُ بها، تسحبُ جذعها المعوجّ فتسقط. 
دائمًا ما تتكئ على كتفهم في النهوض، ويكونون لطف الله في امدادها بالقوة، وروائها بالعافية. 

أنا لا أعتب لتقدمهم، بل أنا سعيدةٌ، حقًا سعيدة. 
لكن وجعي روحها. 
 لم تحتمل هذا الخواء الذي أوردوه بتقدمهم، ما زالت تجمعهم كلمة الأصدقاء. 
لكنهم حقًا تجردوا من معانيها. 
أصبحوا كالأصدقاء الغرباء أؤلئك الذين هاموا بحب الخير معًا فارتكست وانتكست علاقة الطهر حينما قرر الواحد منهم أن يتقدم على حساب تأخر الآخر في الدنيا والآخرة.
  بل حرّموا  أن يتقدموا معًا. أن يكونوا طيورًا تُنادي بعضها لتكوّن سربًا يترافقون في كل رحلةِ صيفٍ أو شتاء.

قالت: "ربما هذا الشتاء قارص البرودة لا أحتمله، وهم يحتملون.  
فكان لزامًا أن يتقدموا فأتأخر أنا؛ 
لأن اجتماعنا غدى قاتلًا لأحدنا".
… 

12/جمادى الآخرة/1438ه
11:45ص.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البدار البدار معلمتي~

غمامةُ حبٍّ ٢

غمامةُ حبٍّ ١