الثانيةُ والنّصفُ صباحًا
أشعرُ أنّ هذا العالم ما زال يلفظُ أنفاسَك، وهواءَه يلتحفُ قسماتَ روحك.
لم يكن خطأي حينما وضعتُك في مضغتي اليُسرى، كان كلُّ شيءٍ يتنفس سعادة وجودك، وكانت الساعاتُ المبهجة تتقافز لتتسيّد أيامنا، والدقائقُ الحزينةُ تنسحبُ خجلًا من نافذةِ حياتنا.
كنت يا حبيبي رغد الحياة، لم نجدْ لبقعتك الفارغة من يملؤها، أو يسدّ عن خوى قلبها.
ما زالت أيامك تلفظُ ذكراها في مخيلتي، ما زال وقوفك رغم حالك يأسر عافيتي، ما زالت الثانية والنّصف توقظني من سباتٍ عميقٍ لأسمع دويّ أقدامِك تستعدُ للقاءِ النعيم الموسوم في قلبك!
تثاقلُ أقدامي وأنا أتخيلك واقفًا تُقيم ركوعك ترعبني، الساعةُ التي تفتحُ فيها الباب يومَ الجمعةِ معلناً وصولك باتت يائسة، والقنوطُ يعشعش بين دقائقها.
اليوم نتخيلُ لحظةَ دخولك فنتسابق لتمد لنا يدك نُقبِّلها ونرجع خائبين، قلوبنا تأكلها خيبةٌ مؤلمةٌ.
لازلتُ أعاودُ المكان الذي تُحبه، ما زلتُ أقيمُ صلاتي فيه حتى إذا انتهيت وبدأتُ تِلاوتي تخيلتُكَ خلفي منسدحًا تسمعني، وكلّما توقفتُ انساب صدى صوتُكَ مُعاتبًا: " ليش توقفتي؟ كمّلي".
اللحظاتُ التي كُنت تترقبُ فيها نسبةَ الحبيبةَ مروة عادت لترسم فرحتنا بشقيقتها لكنَّك أنتَ لم تعدْ.
الأملُ الذي أسقيتني إياه لم تُسقَ منهُ شقيقتي، الحبُّ الذي رأيتهُ مخزونًا في بؤبؤ عينيكَ لحظةَ قَبولي في الجامعة لن تراهَ أيضًا شقيقيتي. لن تسألها كما سألتني " مروة أنتِ ايش بتكوني بعدين؟" لتجيبك كما أجبتك وتهطل عليها وصاياك كغيثٍ ساقهُ اللهُ إلى بلدٍ ميتٍ.
الأيامُ تمضي بنا في سفرنا هذا، لم تكن هي من تسيرك، كنتَ أنت مُسيرها في ما وجدت ضالتك فيه، فكانت لك نِعم الزاد في هذا السفر الذي كنت تراه طويلًا وما رأيناهُ نحنُ بعد فقدكِ إلا قصيرًا.
نشتاقُ عُمرًا عشناهُ بين ضواحك نواجذك، نشتاقُ نسيمًا كان يلتحفُ أجسادنا في حضنك، نشتاقنا صغارًا نرتع ونحوم حولك طيورًا لا يأفل نشاطها، وكبارًا تختارُ قربك أنْسًا لا يصنعهُ لنا غيرك. نحنُ مذ فقدناك ضاق عليّنا جزءًا من الحياة.
كانت قُبُلَتِي الصائرة على جبينك، والماسحة على كفيك هناءً كبيرًا لقلبي، وكان قربك يقيني شيئًا من وعثاءِ هذ الحياة.
لم يكن اللقاء الأخير كافيًا ليُبرد فيَّ لوعةَ فقدك، كان سريعاً، سريعًا إلى الحد الذي لم تجفّ فيه مدامعي ليلتين سوداويتين.
فاض الحنين حتى أصبح الأخضر أصفرًا في حقول قلبي، وأصبح سفرُ هذه الحياةِ فاقدًا جزءًا من عافيته، أنتَ لمْ تمتْ، أنتَ في أرواحنا، وأرواح صلواتنا، ونبضات دعائنا، أنتَ تسكننا في كل شيء، سلامُ الله على روحِكَ الطاهرة، رحمها الله، وغفر لها، وجعل لنا معها ومع حبيبنا محمد لقاءً طيبًا.
ليلة الأحد.
6 ذو القعدة 1438ه.
لكلماتك جمال وجاذبية رغم الحزن الذي اتشحت به والذي استطاع العبور من مجرد كلمات لشعور يخترق القلب،
ردحذفرحم الله فقيدكم مروة وجمعكم به في أعالي الجنان
ءامين ءامين يا الله
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف