بوحٌ من ألمٍ.

وقفتُ على أشلاءِ طفلٍ صغير تفتت لحمهُ والطير المُهاجر في السماء يعلو ويدنو من جدثه المتناثر على أرض الجريح !
الناسُ غائبون لا أحد يسمع أو يرى .. لا أحد يتنفس أو يملك حياة .. هُناك في بقعةٍ صغيرةٍ بعيدةٍ عن موضعِ قدمي أحياءٌ تتألم ، حجمها لا يُجاوز إصبعي الخنصر .. يهوي الدمع اللؤلؤي من عينيها الصغيرتين ، فيجري على الأرض الملطخة بالدماء ، يمسحُ جزءاُ يسيراً من خلايا ماء الجسوم الذي انبجس من فتاتِ جسد ذلك الطفل الصغير ..
كُنا نستكنُ في أرضٍ خضراء ربيعها مزُهر ، وثمارها يانعة ، وماؤها الفضي يجري على ارتواء ليسقي تلك الشجيراتِ المثمرة .. جنة في تلك الأرض ، أرض الفداء والشهداء ..
بعد أن تسمَّلت يديَّ يداه الصغيرتين المتقطعة أصابعُها انهارت من جوف عيني الدموع وتعهدتني بالانسكاب .. ما ذَنبها ؟
وكأنها آلت لضحيةٍ في يدِ مُجرمٍ كبير ، اغتصب حريته ، وصحته ، وجسده من أجل مالٍ يُنَعِّمُهُ بنعماء المتهالكين ، أولئك المتكالبين على المادة و ما جاء في جنسها ..
الصغير يتنفس ، يحاول أن يمتص أكسجيناً لتعودُ له الحياة ، يجاهد من أجل أن يتصلبُ جسدهُ من جديد ، ولكن ذلك النفس حينما لم يجد أكسجيناً نقياً صفيّاً يستنشقهُ تبرأَ من الهواء ، ورضي بالفناء دون جدال ..
اخْضَرَّت شفتاهُ ، وقلبهُ يدوي مجاهداً ، لعله يجدُ مخرجاً يُعيدُ له الحياة .. وأخذ يرددُ في أعسر لحظاتِ حياتهِ آيٌ عظيمٌ امتلأ به صدره ..
كان يعلمُ يقيناً أنها له منقذ ، وأنها بعون الإله تكن له مجيب ..
وبعد ذبول الربيع المزدهر ، قامت الورود ، واخضوضرت الأوراق المائلة للوهن والاصفرار ، ازرقت السماء بعد سوادٍ حالكٍ التحم بالسحاب ، والمياه المترامي على الأنهار الجاريات نقيٌ ، كماء المطر في عذوبته وطهارته وصفائه ..
وبدأ الغبارُ يتلاشى شيئاً فشيئاً عن تلك الديار المغبَّرة منه في سالف اللحظات ..
هذه آياتُ ربي أغنت الصغير عن الأقوياء من جنسه ، وعن الحياة المميتةُ لدينه وعزته ، وعن الأهل والصحاب ومن تعهدوه حفظاً ورعايةً من ميكروبات هذه الدُنا مهما علت أو دنت منه ..
أحيت ربيعاً قد آل إلى الهلاك والفناء ، وحقنتهُ بروح الحياة ليحيا ، ويصبحُ ربيعاً مُزهراً تتلاحمُ النبضات المستفيقة مع حركات الشجر والأزهار ..
نعم المعين الذي يداوي القلب ، ويحيه إن كان قد غفى غفية الميتين ..

  فالزموه تنعموا يا رفاق ❤

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البدار البدار معلمتي~

غمامةُ حبٍّ ٢

غمامةُ حبٍّ ١