عِندما يكون السوادُ مبثوثاً في الأرض ~

 

* مقال لمُسابقة , تم تقديمه سنة 2013\2014 م

 

 

   إنَّ المُتأمل للثراءِ التي تَزخر به منطقةِ الخليجِ العربي وما يجاورها يستبعدُ فكرةَ أن تكون تِلك المنطقة مُتهالكة , وسوداءَ من أولِ لبنةٍ تقف عليها , فكَما نَعلم أن التطورَ في شتى المجالات لاسيما الصناعة قد جلبَ لهذه المنطقة آفاتٍ لا تُحمد عَواقبها , وأوبئةٍ تُخلخل الأرضَ قبل الجسدِ الذي استوطنَها , فمظاهر الهلاك الذي يلتبسُ تلك المنطقة كثيرة قد لا أستوفي ذكرها جميعها ولكن سأقتاتُ بعضاً منها لتكون الصورةُ  واضحة وكأنها مُلتقطة بعدسةٍ ذا دقةٍ عالية. فالأرض هُناك  تتعرضُ للكثيرِ من الضغوطاتِ والتهديداتِ ولعل أهمها ضغوط التنمية الساحلية السريعة للمدن السكنية والمنتجعات والمشروعات الساحلية بالإضافة إلى عمليات الردم والاستصلاح لأراضيها , والتلوث النفطي والكيميائي , ناهيك عن غزو الأجناس الغريبة والصيدِ الجائر للثروة السمكية . فالوضعُ حرجٌ جداً لماهيةِ تلك المنطقة , إذ لا بد من وجود بدائلٍ ترفعُ الغِطاء الأسود عنها وتُلبسها حِلةٌ بيضاء تُظهر الأرض بنعيمٍ يُسعدُ أهلها .

 

          لا يُخفى عليكم أن من أجل تحقيق تلك الرؤية التي يراها أبناءَ تلك المنطقة دخل مفهوماً جديداً إلى أراضيها , يُحاولُ أن يسترق الدُخان الذي جعلها سوداء مُذعرة , وينشر عبقاً أخضراً تتنفسهُ الأرضَ فتبدوا مُزهرة , إنهُ الاقتصاد الأخضر الذي أولى البيئةُ اهتماماً لم تحصدهُ في عهدها السالف , جعل أول مقاصده حمايتها من التلوثِ والاستنزاف الذي أظهر تلك الأرض بصورةٍ رثَّةٍ , جاء حاملاً معهُ سيفاً ليقطع العلاقةُ المتينة بين  الممارسات البيئية وصديقها الحميم الكربون الذي لا بُد لهذا الحبل أن ينقطع ليتحقق رقي رفاهية الإنسان في إطار بيئة نظيفة خالية من العطب والتلوثِ الذي تسمُ الماء واليابس.

 

         ولعل من أهم مظاهر التجديد والتغير الذي ظهر بعد دخول الاقتصاد الأخضر لتلك المنطقة , وكانت له الحضوى في إيجاد بيئة بحرية آمنة لمكنوناتها, هو اتجاهها نحو  تنمية مستدامة واقتصاد يقوم على طاقة نظيفة متجددة وليست محدودة ، فهبوا مُسرعين في إيجاد بدائل تُغنيهم عن النفط والغاز الطبيعي , يُلبي مطالبهم في تحقيق الرفاهية لهم دون أدنى بذرةٍ لملوثاتٍ كربونيةٍ تنطلق على هواءٍ تتنفسهُ أرواحهم وأرواحٍ تسكن البرِ والبحر . وأيضاً تم وضع ضوابط على التصنيع والتجارة , بحيث يتم استخدام تلك البدائل التي أوجدوها فمن هنا ظهرت الكثير من الأجهزة التي بات يستخدمها الإنسان في تسهيل أمور حياته دون أن يستخدم النفط كمحرك لها , فيضمن بيئةً نظيفةً ينعم بخيراتها , بالإضافة إلى التأكيد على قيام  الاستثمارات في  قطاعات خضراء و تخضير قطاعات غير صديقة للبيئة لتساهم بشكلٍ كبيرعلى امتصاص الكربون السُم الذي تتجرعهُ البيئة ,فيتحسن واقع البيئة من مراعي وغابات ومياه عذبة ومصائد أسماك تلك الثروة التي غزاها التطورُ فكاد أن يُبددها .

 

         وفي نهاية أحرفي المُسطرة على هذه الورقةُ , أقف و الأملُ للنهوض يختلجُ صدري , والعودةُ للنقاءِ مع البناء الذي ينهضُ بالحياة القائمة على لُبناتٍ عكس ما وصفتها في البداية , فهذا الأمر لا يتأتى إلا بوجود تكاتفٍ وأيدٍ بنَّاءة قادرة على أن تبذل من أجل الأرض التي تستوطنها , لذا أجدهُ لزاماً على كل روحٍ قاطنة هناك أن تتكاتف مع الغير في العمل والتفكير على إرجاع  البحر واليابس والهواء كما أوجدها اللهُ ما استطاعت إليه سبيلا .          

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البدار البدار معلمتي~

غمامةُ حبٍّ ٢

غمامةُ حبٍّ ١