البدار البدار معلمتي~
مواقفٌ غفيرة تلك التي
تستوقفني , فتدعوني للكتابة , تدعوني لأنسج كلمات تستكنُ في صدري وكأن في صورتها
ثقل بات يرسم لقلبي خلجات متأنية , في الوهلة الأولى أبى قلمي أن يسطر , أبى واستكبر
عن ذلك , لكنني لم أُطيق عتاب نفسي وتأنيبها , فسألتها ألا تُرهقني من أمري عُسرا ,
و مسكتُ حبري هاهنا أنسجُ كلمات لعلها تكون حجةً لي عند الله يوم ألقاه .
إليك أنتِ يا من اخترتِ
مهنة الأنبياء أخصّ أحرفي , إليك أنتِ أكفكفُ أدمعي , إليكِ يا من أهدهد على قلبي
من أجلها أن اصبر وامضي صابراً , فاللهُ
كريمٌ جداً , فالله رحيمٌ بعبده , وفيٌّ بوعده "وَبَشِّرِ
الصَّابِرِينَ".
أناجيكِ وفي قلبي
ارتعاشة السقيم , ودمعة اليتيم , هاهنا
تستوقفني العبرات , وتجولُ في ذهني
الأحداث , وأُصدقكِ القول أنها
تسترقُ دفء عيني .
أُختي أقولها لك ,
ولعلها المرة الأولى التي أتناسى فيها
مقعدي – أني طالبة - , وأَخطو خطوةً أمرنا بها ربي "
وَلْتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ
" أَمامَ مقامكِ الجليل الذي أحترمُه صغيرة وكبيرة , أعدكِ أني لم ولن أنساه , لكن لزاماً علي أن أتناساه قليلاً هُنا ليصل حديثَ قلبي إلى قلبك, فأنا أطمحُ أن
أراكِ في حياةٍ أخرى , في الجنة تلك التي نكون فيها " إِخْوَاناً عَلَى
سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ" .
اثنا عشر عام إلا واحد وأنا طير أحلقُ في سماء المدرسة ,
استقي من فيض عطاءك الكثير, لو بدأتُ تسطيره لن يكفيني عامٌ واحدٌ , أو ربما حتى اثنين
! فأنا لم أتعلم قط نكران الجميل واللهُ على ما أقولُ شهيد .
قضايا قرأتُ عنها , ولعل الكتب الذي تحملُ في
فحواها تفصيلاً لها ليست بقليلة , سالفاً رأيتها جذلا بين نساءٍ و فتياتٍ لا تنتمي
إلى موطني , ولكن هي فترةٌ قليلة تلك التي انسابت فيها تلك الظواهر بين جموعنا , فرأيت ُ وليتني لم أرَ
, الواقعُ يحمل بين طياتهِ خبايا تحمل
حسرةً وألماً , وأسفاً كبيراً , أتعلمين
ما هو الأسف ؟!
سأُخبركِ به ,
عندما كُنت ذات السبع
سنين أو ربما الثمانية , كنت ومن في سني نتعلم أن رسول الله هو مُعلمنا الأول ,
الذي لابد أن نتأسى به , ننتهج بنهجه , نفعل أفعاله , نُقلدهُ في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ , لأنه صلوات ربي عليه مُعلمنا
هكذا تعلمتُ من المدرسة . وكُنتُ عندما أسأل أمي لماذا يجب أن أقلدهُ ؟! تقول لأنه
يفعل ما أمره الله , لذلك هو لا يفعل الخطأ إنما يفعل الصواب فهذا هو مُعلم الأمة
وجميعنا يجب أن نتبعه. فارتبط في ذهني أن كل
من سُمي مُعلمٌ قدوة و لزاماً علي أن أتأسى به كالرسولُ - عليه أفضل
الصلاة والسلام – لأنه معلم . فكُنتُ
منذ ذلك الحين وأنا أرى معلمتي بأنها لا تفعل إلا الصواب لذلك أقلدها حتى في
سكناتها . كُنتُ جاهلة – ولعل أمي نست أن
تضع نصب عيني الفرق بين رسولي ومن أناديها مُعلمتي حتى لا أتخذها قدوة وإنما أرى المثل الأعلى في ذلك - .
مضت خمس سنوات وأنا ما
زلت متشبثة بأن المعلمة قدوة – أي أقلدها - وحسرة ألذعُ بها قلبي على جهلي , في الصف
السادس أذكر وفي مادة التربية الإسلامية
تعلمنا حديث عن اللباس الشرعي وعلى حسب
تطلعي أنه حديث ضعيف وربي أعلم به مني , كان في ما معنى الحديث أن المرأة إذا بلغت
المحيض يجب أن تستر جسدها بثيابٍ فضفاضةٍ وأن لا يرُى منها إلا كفيها ووجهها .
فكانت كالصاعقة – وأحسبها نعمةٌ من الله لأستيقظ
من جهلي - , فأنا أرى شيئاً متناقضاً , لا يمكن أن يستوي , كيف لمعلمة - لا تفعل
إلا الصواب على حد إدراكي- أن تُخالف
حكماً شرعياً ؟! فأنا أرى الكثير – هداهن
ربي – ممن يلبسن الملابس الضيقة , وفي بعض الأحيان تشف أجزاءً من جسدها , من تلبس
البنطال الضيق مع العباءة المفتوحة , بل
من تعدى بها الأمر أن تلبس البنطال مع قميصٍ يرتفع عن الركبة بدون عباءة ! أو من تلبس الحجاب القصير الذي لا يكادُ يغطي
شعرها , وإن غطاهُ فكان ذلك على حساب أن تكشف عُنقها ! , الحالُ مُخزي جداً .
ليس هذا وحسب , فهناك
المزيد من الآهات التي أتنفسها وأتجرعُ سُمها كل لحيضةٍ تمرُ علي وأنا أبحرُ في
رحم مدرستي أرى العجب العجاب , وبحراً واسعاً من التناقضات , ولعل قولُ ربي "
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ" , " وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ
الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى" كان يزيدني
قهراً وأسفاً فما أرى تلكَ الأوامر والنواهي إلا حروفاً مُسطرة لا يُعمل بها ! وما
يُزيدني ألماً و حرقةً , أن تقفي هناك في
مكان أعتقدُ أنه لا يليق إلا بمن سمع الأمر فهتفَ مُلبياً , لبيك ربي وكان أول الفاعلين . لوعةٌ في قلبي تُباغتني لذلك الصبح حين يبزُغُ فيهِ نور الهداية فيحق الحق , ويطمسُ
فيهِ ظلام الضلال فيبطل الباطل الذي سلب عقولاً ضعيفةً . وأحسبكِ علمتِ ما تقصدهُ
نفسي ولا حاجة لك في تفسيرٍ وإطنابِ الحديثِ عنه فخير الكلام ما قل ودل.
فالحمدُ لله الذي أراني
الحق ليبطل الباطل , الحمدُ لك ربي حمداً كثيراً طيبا ,,
وأصارِحك الأمر , هذا
ليس إلا بذرةً قد لا تُحتسب من الأمور
التي تكدست على صدري , وأصبح حملها ثقيل , وباتَ كل شهيقٍ وزفيرٍ أخرجهُ
يقتضبُ عليهِ وجهي من شدةِ الوجع !
منذُ نيفٍ من السنوات
ولعلكِ تذكرينَ تلك الحادثة بعدسةٍ واضحةٍ إذ أنها لا تُنتسى أبداً , حينما نعتت
طالبةٌ في طابورِ الصباح مُعلمةً بلفظةٍ قبيحةٍ , بُتُ أنا نفسي من هولِ الموقف
صرعى !. حبستُ أنفاسي مخافةً أن أشهقُ نفساً مُلوثاً من نواجذِ ذلك الموقف القبيح
. أظنكِ كأنا حينما خِلتُ أنهُ من سوءِ أدبٍ , ودماثةِ أخلاقٍ قد نتج !.
لكن دعيني أُصدقكِ القول
, فأخاف أن أكذب فتكتبُ في صحيفتي كبيرة
إن مت ولم أتب منها حُبطَ جلَّ عملي!
وأنا هاهنا لا أزكي تلك
الطالبة أبداً , ولا أوافقها فيما فعلت , فما فعلتهُ سيئاً بحق , لكنني أجدها
فرصةً أنوهُ بها أمراً يسكنني منذُ أمدٍ بعيد , فالألفاظ التي تُخرجها المعلمة لها
أثرٌ كبير في نفوسنا نحن معشر الطالبات , ولا تدري كل لفظةٍ يُخرجُها فيّكِ ما يصنع في قُلوبنا !
فرفقاً بها رفقاً .
وما أذكرهُ في هذا الأمر
إذ تخبرني إحدى الداعيات قصة إحدى الطالبات
مع مُعلمتها إذ أحكيهِ بلسانها – كُنتُ في الصف الثاني عشر وكان مستواي
الدراسي في اللغة الإنجليزية متدنياً ولستُ وحدي من يُعاني هذه المشكلة فكانت
مُعظم زميلاتي إلا قليل نبتئسُ جداً من هذه المادةِ التي رسمناها في مخيلتنا أنها
تعيسة ! , كانت معلمتنا – هداها الله – تعلم ضعفنا فتزيدنا به وهناً , لا تُحاسب
كلماتها أبداً , ففي كل حصةٍ تصبُ سمها على عُقولنا , كانت تقول لنا علَّمتكن أولا
ففلانة وفلانة وفلانة فقط من تنجح , أما البقيةُ فجهدي معهن ضائع ! كان قلبي من
جراء كلامها يشتعل ناراً , فأطلق أنين الأسى بصمتٍ مُطبق أكادُ لا أحتمله , وحينما
التحقتُ بعد الثاني عشر بإحدى المؤسسات التعليمية , لم أجدهُ صعباً بل سهلاً يسيرا
, وأودُ لو التقي بها مرةً واحدةً لأقول لها , ها أنا اليوم أصبحتُ مُتقنة للغةِ
الإنجليزية , تعلمتُها وأعلمها . أريدُ أن أطفئَ
ما أوقدته من نارٍ لظى في قلبي - .
تأمليها , واكتبي نفسك
مع الذين يسمعون القول فيطبقون أحسنه.
ولعلكِ منذُ أن لامست أقدامكِ أرض المدرسة تسمعين قول رسولي
الكريم : ( من غشنا فليس منا ) وتدّعين أنك مؤمنة به .
لكن دعيني أذكرك فلعل
الذكرى تنفع المؤمنين , ما تُسمين وقوفكِ بجانب الطالبة تنوهين على إجابتها صحيحة
أم خاطئة ؟! أم ماذا تُطلقين على فعلك حينما تبقينَ صامتة والطالبات من حولكِ
يتقاذفن كل إجابةٍ صغيرة كانت أم كبيرة ؟!
أما ماذا تعنين بقولك
لنا ( أنا أعلم أنكن تستخدمن مصادر أخرى
تُراجعن منها الدروس و الأسئلة , لذلك أنا مُتعمدة في أن أضع أسئلة الواجب
منه , حتى تبحثن عنه ! ) , أليس هذا الغش بعينه الذي نهانا عنه الرسول الكريم ؟!
إذا كان لا , فاخبريني
ماهية هذا الفعل ؟ و ما موقعه الشرعي في
الدين ؟! ..
وقبل أن أنهي تدويني هذا
استرجعتُ أمراً لا أطيق صبراً حتى أخبرك به ,,
أتعلمين شيئاً ؟! نحن
معشر الطالبات نسعد كثيراً بكلماتك التي تبث فينا روحاً سرمديةً , وهمماً فردوسيةً
, نحبك كثيراً حينما تشعريننا القرب من الله , تأملينا الجنة , تحدثينا عنها ,
تهدينا السبيل إليها , كل سكناتك وأفعالك وكلماتك عندما تكون مرتبطة بذكر الجنة
تكون لنا غذاء , وماء نرتوي منه , وإني أغبط
إحدى زميلاتي حينما علمتُ أن مُعلمتها كلما أجابت على مسألة كانت تكتب مع
تصحيحها * جنة الرحمن تجمعنا * أو * ميعادنا الجنة * . فما أجملك حينما تكونين
محمديةً في لباسك الطاهر , وكلماتك الطيبة , و أفعالك الحسنة , وهمتك الفردوسية ,
وعطائك للخير الذي لا ينضب! .
هاهنا يستوقفني القلم ,
ويأبى أن يسطر, حددتُ وقتاً لمتنفسي هذا وهاهي ثوانيه قاربت على الانتهاء ,
فمازالت هناك بعض الصفحات السوداء التي يحتفظ بها قلبي لكن وقتي انقضى ويجب أن
أترك عالمي هذا لأبحر في عالمي الآخر فأعطي كل ذي حق حقه , ربما يشاء الله أن
أسطرها في أمد ٍ لا أدري متى سيكون , وربما متنفسي يقطع نفسه !
وختاماً ,,
هذه ما كانت إلا وقفات
عايشتها نفسي , أو ربما أخبرتني بها إحدى أخواتي , وما غاية نفسي إلا الإصلاح ما
استطعت , فاغفرن لي كل زلة لم أعلمها هاهنا , فما أنا إلا عبدة خطَّاءة فقيرة إلى
الله , أجوب بحور هذه الدنيا أتعلم منها , وقد أتألم , لكن أصبر لأن الجنة غالية
نفيسة , جعلها ربي لنا نُزلا .
سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب
إليك .
كلماتك دخلت في صميم صميم فؤادي، ربما كنت أريد الحديث عنها كلها منذ زمن بعيد وأبت أن تخرج إلا بصورة بسيطة جدًا وغير منمقة في تدوينة (عقبة تعليمية أم عيب نفسي؟) ، أحييك بحرارة وأود لو تسمحين لي بوضع رابط هذه التدوينة في نهاية تدوينتي! شكرًا لأنك تكتبين!
ردحذفكانت جمرة مشتعلة في قلبي ، تحرقني كل هنيهة أتنفس فيها ، هي إرادة الله حينما أكرمني ببسط كلماتي الرتيبة جعلها الله لي لا علي حجة عندما ألقاه ..
ردحذفلي شرف ذلك مزنة الخير ، ولي سعاادة باركك الرحمن ،
تقولين شكراً لإنك تكتبين!
أقول لكِ الكتابة لي حياة ، دونها أرى نفسي دون متنفس !
لك برقية من تمتمات الشكر ، أسعدني تواجدك ، كوني دوماً بالقرب باركك الرحمن وأسعدك-ِ .
بالضبط! هي حقًا متنفس!
حذفأسعدتك؟ لا تشكريني بل ادعي لي <3
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفبإذن الله وأنتِ كذلك ،
ردحذفوفقك ربي لخيري الدنيا والآخرة ..