صغَيرةٌ لَم تَستطِع غَمض عينَيها المُدمعَة المُكحلة بشيءٍ من ذَلك الشوق
الذي يَتخَلل روحَها بكُل عنفوآن.. زهَرةٌ في عَامِها الرابع تَحبس دمعاتِها بين
أَهدابٍ ضَعيفة .. تَحنُ وجداً..تَبكي صبابةً .. تَستلذُ اللَّيل لتَبكي فيهِ
طويلاً كأَنها لم تبكِ قبل ذلكَ قط.. تَدعي النّوم العميّقْ ..فأَخذتهُ رفيقُها
القَريب عندما يلظى قَلبُها شوقَا..!
يَخيلُ لك أَنها تهدر دموعاً لطائلٍ تَعلم أنهُ لنْ يُقبل..! نَعم .. ذلك ما تتقاطر عليه الدَّمعاتُ من
عُيونٍ تتسربَل .. ويحكيهِ واقِعٌ نواجذَه
تطحن أَجنَّةِ الأمل تلك المُستكنةُ على جنبَاتِه بأَريحية.. فهي تَعلم يَقيناً
أنَّه لنْ يُقبل ..! ولنْ تراهُ حقيقةً .. رُبما سيَلُوح عَليها طَيفه إِذا أرادت
لجفوُنها المُرهقةُ أن تغفوا لِبُرهة .. لكنَّ حقيقةً لن تراهُ فَيُداعبها .. لن تحضنُهُ
فيُقبلُها .. لن تُحلق كطيراً بين أحضانه .. هي
تعلم ذلكَ يقيناً..
تَذكر تلكَ الحادثة بعَدسةٍ واضحة
لا تَشوبُها شائبة قد تُعيبُ صفاءها .. تذكره وهي جالسة بِجواره على مائدةِ
السحور .. تذكره حينما شاركتهُ لُقيماتٍ من إناءٍه .. تذكره بدمعةً خانقة حينما
تُسابق أَخيها لعلها تَكون هي من يرتمي على صدرهِ .. تذكر تلك اللحظات الموجعة
التي لَطمتهَا بصَفعة الفقد .. تذكره وهو يتربعُ في تلك البُقعة جالساً يصدَحُ
بِصوتٍ يهبُ نسمات الراحةِ في كل زفيرٍ وشهيق..! تذكُر أن السُم وَقع عَليه حينما
شاء الله أن يكون بَيتُها هو المقصود ..! تذكر أن بَيتُها هُدم و تسبب بتشتتِ
أشلاءُ أبيها الضعيفة .. تذكر أن حينها غادرت الروحُ ذلك الجَدثِ الطاهر .. تذكُر
أن أُمها في ذلك الحين أصبحت أرمَلةٌ حزينة .. تذكُر أنَّها بَكت ونَاحت كالثكلى
بصمتٍ مُطبق .. تذكر أن رافد السعادة العذب الذي لا ينْضب قد جفَّ ماءُه .. تذكر
أنها هي وأخيها في ذلكَ الحين تَيتَّموا .. حالها كحال أبناءُ وَطنُها الأَبيّ ..
لم يَكنْ أَمرُها حَديثاً للعالم .. فكل من في عُمرها ذاقَ لِذُوعَة الألم المُكنَى
بوجع ..! فما زالت الصورةُ مُنطبعةٌ على مُخيلتِها
البريئَة التي ما إن تَذكُرها تنساب قطراتِها المالحة على خَديها وتَبقى في ليلها
تَتَقلب على فِراشها كالملدوغ .. حالُها ما هو إلا ذرةٌ من واقع حكايتَه
"قُدسُنا الأبيَّة "
من يهمهُ أَمرُها؟!
أَتَزعم أَنَّ من يَملك ما فَقدتَهُ هي يَهمُهُ أَمرُها ؟!
أتزعمُ أنَّ أَباً ما زال أَبناءُه
يرتَعون بحُضنه يهمهُ أَمرُها ؟! فيقْطَع
على نَفسهِ عهداً مُهباً لنصرتَها ..! أَو أُماً ما زالتْ تَرى مَبسمْ أبناءَها
فرِحاً والحياةُ لها تَبدوا بسعادَةٍ غامِرة يهمُها أمرُها؟!
أتزعمُ أنَّ هُناك مَنْ يبسُط لها يَدهُ وقلبُه كُل البَسط ..! فيكنْ لها
المرفأَ التي ترسوا عليهِ إذا هاجت رُوحها بوخزاتِ الاشتياقِ والحنين ؟! و تكابدَت
عليها مصاعب هذه الحياة ؟!
أَتزعمُ أن لاهيةً مُنغمسَة في لذائد هذه الدُنيا سَيهمُها أمرُها ؟! وهي
تَرفع شعارات النصر الكاذبة ؟!
أتزعمُ أَنَّ من تَثقُل عليهِ الصلاة كان ما يكون مَهمومَاً في ترويض شهواتَه سَيُنَكِبُ
لنَصرَتِها؟!
هي وَحدها مَنْ يهُمُها أمرُها .. هي وحدها من تتداعى النسيان لعلها تنسى
.. هي وَحدها من تصابر نفسهَا .. هي وحدها من تُعلم نفسها أن اللهَ يلف جسدها برحمةٍ كالشرنقة حينما تَلفُ الفراشة قبل انطلاقها
للحياة .. هي وحدها من ترسل بَرقياتِ
الدُعاء للإله بنصرٍ قريب ..
لأنها رأت من أُمتها طِباق ما كانَ لزوماً لنصرتها .. غنية هي بربِها ..
16\1\2014م
تعليقات
إرسال تعليق