وَاقِعٌ يُحْكَى ~
هُناك وفي أَصرح هذا العالم
هواءً مكتحل بشيءٍ سُمى فساداً
, فيه تجد قلب الصغير يرتعش خوفاً , وعقل
الكبير يحكي جنوناً , وكأن الحياة أصبحت
لهواً ولعبا .. في زاوية صغيرة تجد ضوء خافت يَكاد أنْ لا يُرى ..! ولتلك البُقعة حكاية في حُقبةِ الماضي ..
الصغير يكبر وتكبر معه أهاجيس الاغتراب في عالم يُخطئُ المرءُ إن نعته واقعاً.. فلا
تلك الواقعات في عقله البشري صادقة ، ولا تلك المناظر في حقيقتها بارقة , فكيف هي مكنونات قلب ذلك العاقل الصغير إذ يَرى
أماً ثكلى تنوح أخا قُتِل في بطش
الطريق.. ويرى ذلك الأب الجريح بين صغاره
يَجرونه إلى بيت لا تَكاد له لبنة باقية ليحتمون
بظله .. وفي ذلك الممر المغبر الذي يفصل بيوت الحارةِ إلى نصفين يسمع أنين متشرد
من ألم المرض الذي أنهكه منذ أمد ليس
بقليل .. وفي الصباح إذا همَّ خارجاً وجد على عُتبة منزله ذلك الوجه البريء
قد شُوه بصفعاتِ الحاقدين على أبويه.. ففي دُجى ليلةِ الأمسِ كان أسيراً
لذلك الأَبالسة ولم يُقَّتروا أبداً بِتعذيبه
فواحدٌ على جسده الناحل كان يجلدُ وغيره من خلفهِ ظل يركُلُ وذاك تراه مبتَسِما
ينهال عليه بصفعاتٍ تكادُ تُخلخل عظمه وجميعهم يصنعون رحلةَ ألمٍ لِذلك اليتيمُ
الفقير , فيأخذه ليحتضِنُه وفي جَسده
ارتعاشة السقيم والزبدُ يتطايرُ من
فمِهِ المفتوح مستسلماً للبكاء .. تراه ماذا يفعل؟! أيتبعُ قلبَهُ المنفَطِر فيَهِبُهُ
سَكناً يقُاسِمُه الحبَّ والشفاء مُتجاهلاً عما سيحدث له إنْ عَلِمَ أُولئكَ
المجرمون ..! أم يمضي بقلبٍ قاسٍ وهو يُتمتِم
سأنجي بنفسي ولن أُهلَك, وأتركَه لمن مَلَك ,
وبعدها تأتي إليه عبراتِ السنين
فتلطِمُه بما صنع ..! حائرٌ مسكين والحيرةُ
في قَلبِه مَسكن ..لم يقف سَيْرُه لذلك اليتيم فقط ! فعِندَما أدبرَ راحلاً يتمشى
في طُرقاتٍ بيوتها تبكي رثاءً لأهلِها تشابكت أسماعه فإذا به يتفقد سَيْرَه لعله يجد شيئاً يكن له مرشداً لما
سمع ..! فأخذ يحذو نحو منزلٍ قد بدى من الخارج ثراه ساقطاً وعلى حضيض جُدْرانِه
دمعاتٌ ساقطة.. أخذ القلقُ يعتري خدَه ..
وقفَ مُهَاباً الدخول ..وهمَّ بالرجوع ..فأخذت خُطُواتَه تجرُ حثيثاً متثاقلاً إلى
غرةِ الطريقِ .. وبينما هو ماضٍ إذا بأمرٍ أوقفَه .. بين تِلك الصخرات التي تُغطي
على نوافذ ذلك المنزل تَعَالى صوتُ آهاتٍ وحسراتٍ
من فيِّ فتاةٍ لِمُحياها جمالاً ناصعاً .. ما يُبكِيها ؟! سؤالٌ نسجَه عقله وبقت الإجابةُ عليه عسيرة ..! فأخذ بمعابرِ ذاكرتَه يَمضي لعله يجد شيئاً يُهديه
لحالِ تلك المسكينة .. لحظات ويسمعُ قهقهاتاً شيطانيةً آتيةً من على منحدرٍ شاهقٍ
باتجاه ذلك المنزل لذلك الفاجر الذي شَقَّ
عليه ثَغره بعدما وجد بُغيتَه .. أَدرك
حينها أنها مِسكينَةٌ حقاً لم تكن تبكي وتُطِلق الأسى لأَجلِ حبيبٍ علَّقت قَلبُها
به وارتحَل .. ولم تَهدر دموعَها راجيةً ما يُروض مَطالِبهُا .. تَبْكــي عُذورتَها..!
ذاك الشيء النفيس الذي فَقَدته وهي تُصارع
وُعورةَ الطريقِ الذي سَلكته لعلها
تجلب دواءً لأبيها المريض.. يا الله .. نَظَرَ إليها بعينٍ دامعةٍ وأُخرى عَلاها
ورم قديم ..! أَخذ يَتَخَبَّطُ في سَيْرِهِ
من واقعٍ يَراه حقيقةً وعَقلُه لم يُترجِمُه سوى أُكذوبة كأَنها عابر وتلاشى ..
وما يَرى ذلك الجُموع إلا جُموع قبح وفساد.. فغَدى مَهمُوماً ثقيلَ الكَاهل جَلسَ تحت تلك السِّدرة التي لا ورقة خضراء على
غُصونِها قد بقيت.. يَشهقُ بأمنياتٍ يَراها
في واقعِه مُستحيل ..
2\10\2013 م
مميزة انت
ردحذفأطمح أن أكون مثلما تزعمين.. !
حذف