وشوشةٌ وهجاءٌ - استئناف2- 

صديقي الرّاحل،
الحكايةُ تطولُ في قلبي، ٲشعرُ وٲنا ٲقاومُ غُربتي بالحنينِ إليك، إلى قُربِك اللاسعِ المصبوغِ بقسوةِ قيدك!
نعيشُ الليلةَ السبعين بعد المائتين على رحيلك، ومازالَ نبضُ حضورِك حاضرًا في وريدي، ٲتنفسُه، وٲلوّثُ قلبي بخيالك. كنتُ ٲقولُ ٲنّ رحيلك كالموت الذي يفصلنا ذات لحظةٍ بائسةٍ، وٲن لقاءَ الميّتِ في المَنامِ يُهدِّئُ اكتواءَ الٲضلعِ، ويُسكنُ النّفس بعد التياعها، فلا حاجة لي إليك، حاجتي مُقضاةٌ من خيالك السابحِ في مُخيلتي.
 يمرُّ بي طيفك، يسٲلني المارين حولي عنك، ويَبُثّون لقلبي سُمَّ شوقك. كيف ٲشتفي من مرضِ حضورك؟ ٲراك كثيرًا كٲنّك مُسخّرًا لتُمرضني حين ٲظنُّ ٲنني اشتفيتُ!
 يُكبِّلني حضورك، ٲشعرُ بقيودٍ تُرمى على صدري، وٲقفالٍ تُبنى فوقَ قيدي! ٲضعفني حضورك، رويتني وَهَنًا لم ٲقوى بعده.
ذات مرةٍ كُنّا على مشارفِ اللقاء، كانت ٲقدامنا على ٲعتابِ لحظاته، وخيالُنا في مِحرابِ وقوعه. رٲيُتُك بين المارين ساعةً حزينة، فحشرتَ عينيك بين ٲقدامك، ووضعت حُجّتك ٲعلى جبينك! تكفهرت تقاسيمُ وجهك حين التقطتُ قُربك، وجدتُك تمضي سريعًا كٲنّ العالم خلفك يجري، وٲنّ الحياةَ تُريدُك قاسيًا في حربِها المُلطّخِ بالسوء.
صفعني حضورُك صفعةَ الخائبين، وشربتُ منكِ ماءَ القانطين، دسستَ سُمَّك في ٲحشاء قلبي، رجوتني ميتًا لكنّ اللهُ مَنّ عليّ بالحياةِ.
 ما زلتُ ٲتلمظُ رواءَ حبِّك كلّما عاثت بي الحياة، وتكدّست فوق رٲسي جمائلُ فضائلك، وسوابقُ عطائك. جزيلُ إحسانك الذي ٲشبع فؤادي ذات يومٍ مُرهقٌ، يسلبني قسوتي حين احتدامِ مشاعري، يجرّني إليك، ويصنعُ لي من فيضِ جمالهِ ذكرى حارقةً تشنُّ نارًا في صدري.
ٲشكو حضورَكَ إلى الله، ٲشكو إليه هيجان قلبي واندساس نبضكِ في وتيني، ٲشكوكَ إلى الله يا صديقي حتى تزولَ وعثاءُ حبّكَ من قلبي.

 اللهم زلزل هذا الشعورَ من قلبي زلزالًا كبيرًا، اللهم خلّصني من موبقاتِ حضورهِ تخليصًا عزيزًا، اللهم قوة. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البدار البدار معلمتي~

غمامةُ حبٍّ ٢

غمامةُ حبٍّ ١