المشاركات

شعورُ اللحظةِ

يتصعدُّ شعورُ اللحظةِ في قلبي، يرسمُ أخدودًا من أملِ النهوضِ المترامي خلف جدرانِ مشاعري، لم أبالغْ حينما وصفتُ قلبي ذاتَ لحظةٍ " تائهٌ في بحرٍ لجيٍّ من المنقشعات". أشعرُ أن هاجسَ الحبِّ يتسربلُ به كياني، يتقاربُ من أصيص وجداني، ويتقازمُ من روح كبريائي. الحياةُ مليئةٌ بالمُبهجات، بالترف الذي نطلبه مع كل شهيقٍ أو زفيرٍ، لكنّها خاوية من شيءٍ لا يساويهِ كلُّ شيءٍ. كلما آنستُ قُربًا تتسمُ به روحي، تلاطمت عليّ أمواج أفكاري البائسة، وافرنقعت عنّي مشاعرَ البهجةِ الأولى. يطلُّ عليّ شغفُ الحياةِ، يتسمّرُ في أنفاسي، يراه المارين حولي، ويأخذون من فيء طلعته المتوسمون بالحبِّ المكنون في أعماقي. أصابني القحط كثيرًا، ذبلت فيّ أزهاري، وماتت عنّي عصافير أحلامي. الحلمُ لا يعدو أن يكون حقيقة، لذلك لم أحزنْ، ولم ترَ حروفي حقيقة حزني قبل هذه الليلة. الأحلامُ جنسٌ لطيفٌ تُولده الأمنيات، لكنّه لا يُسقي شظف قلبي حين يدنو، أو يُسقطُ غيثهُ على أفيافي المُجدِبة. تعلمتُ أن أستمسكَ بعروة الرجاء، بالوِثاق الذي يصلدني حين اشتداده، ويتوسمُ خيري حين ارتخائه. وأن أُرخي حبلَ الأُمنيات المصبَّغة بالأح...

غربة

هل الكونُ ضيّقًا جدًا لدرجة أن يراكَ العالمُ أجمعُ سببًا للسعادة، ولا يراك صديقُك إلا سببًا لتعاسته؟! صديقي القديم، أعلمُ أنّ الصداقةَ لا ترضى القدامةَ صفةً لها، وأنّها خُلقت لتكون أبديةً لعِظم  الأوفياء الصانعين لها بريقها. ألجُ بحرك، أحاولُ أن أجدني فيه فأُبتر. أطمسُ جفاء قلبي ليكون لك لينًا فأفشل! السماءُ الذي جمعتنا حزينةٌ، والأرضُ التي حوتنا تعيسةٌ كئيبةٌ. خُطانا تمضي، والحنايا بداخلنا تهتز! تهتزُ حبًّا طُمِر جوفه، وشوقًا ثُكلت أمّه. تهتزّ حينًا من جفاءٍ مولود، وحينًا آخرًا من يأسٍ مطرود. أن أموتَ في سبيل التشبثِ بتلابيب روحك، آيسني. لم أعدْ بالقوةِ التي دفعتني أستمسِكُ بعروةِ وثاقنا ذاتَ مرةٍ، أو أشدد الحبل إذا ما تراخى بعد انهزامٍ غريب! الغربةُ يا صديقي هي غربةُ روحي في حضورك، غربة التقديس العظيم لأشيائنا المتنافرة بعد جدبٍ وقحطٍ روحيٍّ اختلقناه ذات لحظةٍ. أقفُ بين يديكَ أحاولُ ارتشافَ ودّك فيسحقني اندفاعك، أرتمي بين جنباتِ روحكَ فأجدني وحيدًا، خاليًا من كل شيء، خاليًا إلّا منّي. أصعبُ الأمورَ إليّ العودة، العودةُ القلبيةُ التي ما صنعت فيِّ إلا بؤسًا يهضمني قبل...

فضفضة عابرة

في الليلِ عتمةٌ، والهواءُ الساكنُ يفضُّ ضجيجَ قلبي. كلّما توارت رجاواتُ قلبي بالحجابِ المانعِ تفيضُ قطراتيَ المالحةُ المُكتظةُ خلفَ جفنينِ متوردين. أصارعُ انبعاثَ شتاتي، أحاولُ أن ألملم شعثي المتدثرَ على صلابةِ أرضيةِ روحي. الأمكنةُ المُشعةُ بالخيرِ تتوالدُ، والأزمنةُ المشحونةُ بكلِّ شيءٍ تُقيّدُها. كان لا بد لنطفةِ بوحي أن تنمو، وتكملَ باقي أيامها الدافئةِ في رحمِ حرفي. كانت لحظاتُ اندفاقها في بحري الحاضن أجملَ المواسم، واشتدادُ ركلاتها لتصارعَ حياتها قبل الميلادِ أعمقَ المشاعرِ شعورًا. لم أكن أعلمُ أنّني بعدَ هذا الجمالِ سأُصارعُ مَخَاضَ رؤيتها للنور! كان النورُ يشعُّ في داخلي، ويكوكبُ حولي نجومًا لامعةً. كلُّ هذا الجمالِ يجعلني أتحسسُ آياتِ الحياة؛ خوفًا من معايشةِ حلمٍ زائرٍ لا يمسُّ للحقيقةِ بصلة. يزورني الخوفُ مرةً أُخرى حينما أرى بريقَ نجومي المتحلقةِ حولي بدأ يبهت، ونوره يتبلد، وكيانهُ يضمر. لم أكنْ أتخيل أن أعيشَ وأنا أستنفرُ هذا الشعورَ البائس في قلبي، أحاولُ استفراغَ ذراتهِ المتحجرةِ بين جوانحي؛ فتزدادَ صلادةً وبؤسًا. كانت مكاتبَةُ تلكَ الليلةِ أعظمَ الأوقاتِ رضًا...

نومٌ وحياةٌ

كان لابد أن أنام، وأطوي صفحةَ يومٍ متخمٍ باللحظات التي لا تذبلُ ملامحها في مخيلتي. الحياةُ جميلةٌ حدّ الترف الذي نتقلب فيه، والجمالُ ينزله الله كالغيث الكثيف الماطر على قلوبنا حبًا وودًا. أقبلت التاسعةُ مساءً وأنا على صراعٍ أقاومُ فيه موتتي الصغرى، أعاتبُ نفسي جادة: " لن أنامَ الآن،سأنتظرُ أبي". اليومُ الذي أصلُ فيه إلى البيتِ دون استقبالِ أبي فقيرٌ جدٍا، أهنفُ كلّما تقدمتُ خطواتٍ إلى مكتبه، أردد" لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا"، لعلّ الله يختصني برحمته"وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ" كان لا شيء مما سددته مخيلاتي تحقق، لم تكنْ هناكَ قوةً تطبّ قلبي حتى وصول أبي، واحتضانه العميق، وحكايتي الطويلة مع أسبوعين من الجهاد. بقيتُ أقاومُ حتى استنجدتني عظامي كلّها بنومٍ قليلٍ، وهنت خطواتي وأنا أقتربُ من سريري واسّاقطت أتعابي تختبئ أسفل السرير ممهدةً لي نومًا عميقًا يُنسي روحي تعب كلِّ خميس. أستيقظ وقد فات الأوان، لم أملك سلطةً تقيني وعثاءِ هذا الحال، كان النومُ مريحًا أزاح عنّي ما ألمّ بي من تعبٍ وإرهاق، لكنّه ...

الأولى من نوعها💜

صورة
تلوحُ ليَ الفكرةُ، فيورقُ الفرحُ في قلبي، وتنمو فيه زهرةَ الحياةِ المُبهجةِ. هذه المرةُ ليستِ الأولى التي أقررُ فيها زيارةَ الجامعةِ العامرةِ، مرّت سنتين مليئتين بالحياة وأنا أقطنُ في أفيائها، وأمشي على شواطئها، ويغمرني بحرها المُحلّى بتجاربها. هذا الشعورُ الذي يسكنني في لحظتي المترفة بالبهاء يشابه شعور الزيارةِ الأولى التي تطأُ فيها قدماي أرض الجامعة؛ لأستنشقَ رائحةَ الحُلمِ المُنتظرِ، و أرى الحياةَ فيها من عدسةِ الواقعِ البهيج، ولقاء الرفيقة الحنون الذي أهرمنا شوقًا وحبًا. أيعقلُ أنني أتنفسُ الشوقَ لشقيقتي حتى تُبهجني هذه الفكرةَ العابرة؟ نعيشُ الليلةَ الرابعةَ منذ صعودها إلى قمّةِ بهجتها، نتفننُ في سبلِ الإتصالِ حتى لا تكادُ تمرّ ساعتين نغيبُ فيها عن حروفنا المُرسلة، وأصواتنا التي ملّت هواتفنا احتوائها. عشتُ أيامًا سرقَ القلقُ والمرضُ دفءَ ليلي، لكنني لمْ أجربْ أن أبقى أسيرةَ بهجتي حتى أسمعُ نداءَ الفجرِ يتصعّدُ في مسمعي. كلّما أزهرَ وجهي فرحًا بهذه الزيارةِ تعجّبَ الناظرُ اليّ وروادتهُ نفسهُ أن يسألني مستنكرًا " زيارتك الأولى؟" فأجيبُ وأنا أمتصُ شهيقَ نفسي:  نعم، إ...

فرحٌ وبهجةٌ

يتدفقُ سيلُ الكلماتِ على ورقي، أحاولُ لملمةَ حبري في محبرته فيأبى، ويضخَّ نهرًا حائدًا عن نضبه. الحياةُ الساكنةُ فيّ بدأت تنبض، وكانت نبضاتها مُزهرة لا تلبثُ أن تنثرَ الحبَّ في دقائقِ وثوانيَ لحظاتي. نعم، سعيدةٌ إلى الحدِّ الذي يتدفّقُ فيه دَمي فرحًا وبهجةً، هذه المرةُ تبدو حقًا مختلفة عن كل الحكايات التي بكت محبرتي حين حبرتها. أرى وهجِ النّصرِ قريب، وماء العافية تُسقيني اللذيذ، واطمئنانًا لا يعرفه إلّا القليل. ألا يستحق كل هذا أن يُبهج روحي ويُحيها؟!. اللهم إن كان هذا تحقيق الرجاء فأتممه، وارزقني قلبَ صاحبٍ حنونٍ وفيٍّ يعطي الواجبَ مغلفًا بالحبِّ، ويقبل الحقِّ النّاقصِ بقلبٍ واسعٍ. اللهم لك الحمد حمدًا لا ينضب.

مبارك العنود

نتنفسُ قلقَ الإنتظار، ونرسمُ في قلوبنا بدايةَ الحكايةِ الساكنةِ في قلبينا. أقفلُ عائدةً من توديعِ آخرِ صفحاتِ هذا الصيفِ الذي لُمتنني فيه. أصارعُ اللحظات فتصرعني بثقلها، وتركلني بحركةِ عقاربِ ثوانيها. أدخلُ وأنا بسّامةٌ ضاحكةٌ ولا أعلمُ سبب هذا الحبور. تسألني الرفيقة: " أهذا ما فعله بكِ آخر امتحان؟" أجيبها وآيةُ الدّهشةُ يستهلُ الناظرُ بها إلى وجهي! ليفهم أنني لم أُدركْ مكاني وزماني اللذان استوطناني قلبًا ولم يتترجمان فقهً يألفه عقلي. باتت الدّهشةُ رفيقة اللحظات. أستلهمُ منها قوة البهجة التي غمرتني حينها. لم أكنْ أفقه الانتظار كما فقهتهُ حينئذٍ. كان كلُّ شيءٍ فيِّ يتنفسه. شهيقٌ يُدخلُه ملونًا بالبهجةِ وزفيرٌ يقذفه ذابلَ الحياةِ من طوله الثقيل. أصنعُ الأحداث؛ حتى ملت فلفظتني من فيِّ تدبيرها، وازَّيَّنت في داخلي حديقةً ذات بهجةً حتى توّلّاها بعثٌ كبيرٌ. تصلُ الساعةُ التي ارتأينا عطلها من ثقلِ حركتها إلى 2:30م. تأبى محاولاتي الفاشلة إلا أن تستمر.  تسمّرتُ أمام شاشة هاتفي أراقبُ الماريّن وما يحملون من أعلامٍ مبهجةٍ ومُحزنة. أستلطفهم ليهدوني قَبول شقيقتي فينؤوا بعيدًا دون ع...

وشوشةٌ وهِجاءُ-3 (الأخيرة).

صديقي الودود، أستيقظُ على منامٍ يشبُه تفاصيلَكَ. الأحداثُ المُترفةُ التي كانت تزورني في الأحلامِ لا تَمتّ لقلبينا الفارغين بصلة. وكأنّها جاءت سلوى لقلبي بعدَ ما أماتَ شُعورُ الأسابيعُ الثلاثةُ الماضيةُ بهجَتَه. أفرّغُ قلبي من نباضاتِكَ المُميتةِ، وأحاولُ بقدرِ ما أمدّني الله من قوةٍ أن أهديها من تحب؛ لعلّها تُحي مروجًا خضراءً في قلبه عجزت أن تُحيها في قلبي. الشعورُ البليدُ الذي سكنني وأنا أسمعُ انكسارَ زُجاج قلبي لا يمكنُ أن يموتَ في لحظِة ترفٍ أنعم فيها برسالةٍ لا تُحي معنى الودِّ في روحي. تُعوضني الأحلامُ الجميلةُ جلَّ ما فقدته من روحِ قلبكَ، لذلك لا بأس إنّ نأيتَ نوىً يُخيّل لكَ أنَّه حاويًا للخيرِ كلِّه. لفظَتْ أنفاسُك يا صديقي كلَّ جميلٍ عشناه في كأسٍ واحدٍ ناضحٍ بوفاءِ صحبتنا، وأصبحَ كلُّ عابرٍ يُقرّبُكَ زُلفى إلى غابِة أحلامِك المُثمرةِ بالخير صديقًا حميمًا أزاحني من نبِضِ قلبك. أصبحتْ التلاواتُ المليئةُ بالأخطاءِ لا تَعني سعادتك، باتَ نظرُكَ الثاقبُ يطمحُ لصديقٍ لا بون بينك وبينهُ في التلاوةِ ساطعًا. أصبحت الثواني التي توقظني فيها؛ لنصفَّ أقدامنا سويًا إسرافٌ في حق وق...

تأملُ /1

لحظاتٌ كثيرةٌ تعشعشُ في حقولِ قلوبنا، تأسرنا وتجعلنا نهلعُ فقدانها. أصبحَ الشعورُ الذي يزورني قنديلًا أستضيء به في عتمةِ الغربةِ الصائرةِ في قلبي. أصبح يمتزجُ مع هواجسي، ويقيني شرّ ما أجدُ منها وأُحاذر. أخذ روحي إلى عالمِ الأُنسِ المفقود، والنَفَسِ المحمود. جلسنا تحت ظلاله، نستقي منه لبنًا سائغًا، وعسلًا مصفىً لائغاً. هزّتني مخارج حروفها وهي تنطق" وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ". أصاخت أذناي، وأصبحَ دويّ نطقها يصلُ إليها في أعلى تردده. شدّها همس الهاء الجليّ، وشدةَ وجهرَ الباء المقلقل الصانع في نفسي هيبةَ خروجه. بدأنا نردد ونستعذبَ الألفاظ، وبدأت قلوبُنا تمتصُ إشعاعَ خيرها. كانتْ الألفاظُ المُجوّدة توقظُ نبضاتنا المُماتة، وتُحي فتيلة قنديلنا المُظلم. استوقفتني لحظةَ اندهاشٍ، وكان كلَّ شيءٍ حولي يُوحي بالدَّهشة.  سبحان من أضحكَ، سبحان من أبّكى. سُبحان المُضحك الذي أضحكنا، سبحان المُبكي الذي أبكانا. سبحان من ملك قوةُ الضحك، وملك قوة البكاء. كان كلُّ شيء مُلتفًّا حولنا يسبّح.. وكان عالمُنا قطعةً من الجنّة. سبحان الذي أضحكنا في وقتٍ أردنا فيه البكاء فحجبهُ عنّا و...

وشوشةٌ وهِجَاءُ - 2

عُدتَ يا صديقي، ولم أعدْ في قلبِكَ إلى ديارِك. كان وداعُك أثقلَ الأشياءِ حِمْلًا على قلبي، يتسمّرُ بين أضلعي، ويزيدني حَزنًا زيادةً على حُزني، فأذهبهُ الله عنّي، وعوضني بدَلًا منه عافيةً أقاومُ بها جهادَ ما بقى. كان لُطفُ اللهِ يغمرني، ورحمتُهُ تنتشلني من ضيقِ الوداعِ إلى سعةِ التجافي. دبَّت رجفةٌ في قلبي وأنا أطأ مكانك في تلك الحديقةِ المُظلمةِ في غيابك، كان كلُ شيءٍ ساكنًا. توقفتْ الأشجارُ عن إطلاقِ حفيفها، وهدأتْ الأنفسُ القليلةُ القاطنةُ في غياهيبها. الكونُ الذي لم يسعنِ معك في تلك البقعةِ أصبحَ خاويًا. النجومُ التي اعتادت أن تُشِّعَ أضواءَها أفلتْ، ولم يبقَ إلا بدرٌ لم يكتملْ. كانت لحظاتُ اليومَ تختلفُ نسماتُها، أصبتُ بعدوى الحياة، انتعشت أوردتي بها، وأصبحتُ أجوبَ بحارَها بعينٍ مُحبةٍ. ذاب الجليدُ الذي أحالَ عنّي فرحَ اللقاءِ قبل عامٍ من الساعاتِ المُنتظرة، أصبحتُ لا أنتظر، وأصبح لديّ وقتٌ غفيرٌ أُمعنُ النظرَ في أعماقي. أصبتُ بالأنا المحمودة، التي انتشلتني من حرمانِ جودِك. مزّقتُ ذكرياتيِ التي سلبتني عافيةَ يومي، ورميتها في البحرِ الذي أعادكَ إلى ديارك. كان لقاءُ الأرواح...